• إليكم هذه الصورة؛ في كتابه عن طفولته "الذكريات الصغيرة" يقول خوزيه ساراماجو باختصار: "بجانب أحد مخازن جرنديلا، كان هناك رجلٌ يبيع البالونات، وربما لأنني طلبت منه، أو ربما لأن أمي أرادت أن تجعلني اجتماعياً، صارت إحدى هذه البالونات في يدي. لا أتذكر أكانت خضراء، أم حمراء، أم صفراء، أم زرقاء، أو كانت بيضاء، بكل بساطة، فما حدث بعد ذلك مسح من ذاكرتي اللون المفترض أن يظل ملتصقاً بعينيّ للأبد، حيث إنها كانت أول بالونة أمتلكها في عمري كله، البالغ ستة أو سبعة أعوام، كنا في طريقنا عائدين إلى البيت، كنت فخوراً كما لو كنت أسوق العالم بأسره، وأربطه بخيط وأطيّره في الهواء، فسمعت فجأة شخصاً يضحك من ورائي. نظرت ورأيت، كانت البالونة قد انفشّت، وكنت أجرها على الأرض، دون أن أنتبه وقد أصبحتْ شيئاً منكمشاً، لا شكل له. لم أستطع حتى البكاء، أطلقت الخيط، أمسكت بذراع أمي كما لو كانت طوق نجاة، وواصلت سيري!"
• ألا يشعر كل من يقرأ هذه القصة الصغيرة بأنه شريكٌ فيها! ألم يتخيل الكثيرون شكل هذا الطفل، أو ربما تخيلوا أنفسهم أنهم هم ذلك الطفل، وهم في السادسة أو السابعة!. حسناً هذا هو الفنّ الكبير؛ الذي يجعل القارئ طرفاً فيما يقرؤه. هذا ما عنيته بالقصة!
• برأيي أن مسلسل هوامير الصحراء، الذي تعرضه قناة روتانا خليجية، يمثّل هذا الوعي؛ أن يكون المشاهد طرفاً في هذه الدراما الليلية. كيف؟ المسلسل بكل أحداثه وحواراته وعلى طول خطّه يقول نصف الكلام، وهنا يأتي دور المشاهد أمام الشاشة، كي يتمّ النصف الباقي من الكلام، بل وحتى الشخصيات. لقد نجح المسلسل في أن يكون للمشاهد اشتراكه، عبر انشغاله بتخمينها، ومرةً أخرى أقول إن هذا النوع من الفنّ هو الفنّ الحيّ والكبير!
• مع ملحوظات هنا وهناك، إلا أنني أجد أن فريق مسلسل "هوامير الصحراء" حقق نضجاً وعلامةً فارقة لصالح الدراما السعودية، لقد اقتحموا عالماً شائكاً جداً، واستطاعوا تقديمه وإدانته، بذكاء وخفّة ورمزية تنطق بنصف حقيقته، أما نصفها الآخر فقد راهنوا على أداء المشاهد في تخمين المسلسل، تماماً كما راهنوا على أداء كل الشخصيات!
http://www.youtube.com/watch?v=82r22sXdutY&feature=related
• تحية واحتراماً لكل فريق المسلسل، الذي احترم مشاهديه، وسلاماً إلى الفنان الكويتي الكبير "أحمد الصالح"، الذي يعاني من متاعب صحية، رفع الله عنه وكان معه.