مرت ثلاثة أعوام مؤلمة ـ كأنها ثلاثون عاما في الواقع ـ على الثورة السورية التي قضاها السوريون منذ اندلاع ثورتهم في 2011 في محاولة لتحقيق الإصلاح، إذ بدأت ثورتهم سلمية مدنية تبناها الشعب من كافة أطياف وطبقات ومناطق الوطن السوري، وشارك فيها مثقفون وفنانون وشعراء وصحفيون.. كل منهم كان يحلم باستجابة السلطة لنداء الإصلاح، إلا استجاب لنداءات الأطفال وأناشيد الحرية بالحديد والنار، وهذا ما كان متوقعا.

النظام السوري كان ينتظر هذه اللحظة، بل إنه استعد لها منذ أربعين عاما؛ لأن النظام يدرك أنه طارئ على الشعب، وكأنه نتوء أو ورم لا بدَّ له أن يُزال في يوم من الأيام، فتحول سورية إلى جمهورية وراثية هو أمر خارق للعادة وسلبيات النظم السياسية وشكلها ولونها في العصر الحديث؛ إذ لا يشبه سورية اليوم سوى كوبا التي ورث فيها الأخ أخاه على رأس هرم الجمهورية، الأمر الذي يجعل النظام الحاكم غير وطنيّ وغير منتمٍ للأرض والشعب، ولا يستحق أن يبقى لحظة شرعياً للحظة واحدة، مهما كانت نسبة الفوز في الانتخابات "المئوية"، وإن بقي لأكثر من أربعين عاما حاكما متفردا راكبا حصان الطائفة التي لا ينتمي لها أبدا!

وحين انتشرت الثورة في ربوع الوطن السوري انتشار النار في الهشيم، لجأ النظام إلى تحويل الجمهورية العربية السورية إلى "سورياستان" من خلال بيعها بالمزاد العلني لمن يدفع أكثر، بتغذيتها بالطائفية التي لم يعرفها السوريون يوما، ومن جهة أخرى، سهل النظام دخول الجماعات الإرهابية إليها؛ حتى يثبت للعالم أنه نظام يعاني من الإرهاب، فلم يتورع عن الانسحاب من عدة مناطق وتركها لمقاتلي "الجماعات" الذين صنعوا في معامل مخابرات النظام والأنظمة الحليفة له، استعدادا لهذه اللحظة التاريخية التي يعتقد أنه يدافع فيها عن وجوده بينما يصنع حبل مشنقته بيده، حيث سقط حاجز الخوف ولن يعود إلى القلوب مهما كان الثمن.

لم يؤمن هذا النظام يوما بانتمائه لسورية أو انتمائها له، كان يشعر على الدوام بأنه "الأقلية" التي لا تنتمي لشعب ولا أرض ولا وطن، كان يشعر أنه يقيم في مطار مستعدا لرحلة "ترانزيت" إلى جهة لا ينتمي لها أيضا لكنها ربما لن ترفضه حين يشتد عليه الكرب.

من المؤلم حقا أن نرى جماعات "الفايكنغ الإسلاموية" تعيث بسورية وأهلها قتلا وتدميرا، وتطبق شرائعها الخاصة التي لا تشبه حتى شريعة الغاب لفرط تعطشها للدماء. من المؤلم حقا أن يجتمع مئات الآلاف من المقاتلين لا ليقاتلوا عدوا محددا بل ليقتلوا فحسب، ويعيدوا إلى القرن الحادي والعشرين قرونا خلت ساد فيها الغنيمة والسبية، وكأنهم في أرض فلاة مشاع لمن تطأها قدمه أولا. من المؤلم حقا أن يعيد التاريخ غبار الحرب الأفغانية على الأرض السورية بطريقة أشبه بالكوميديا السوداء!

لكن كل ما يحصل اليوم في سورية اليوم يتحمله طرف واحد هو ذلك النظام الذي تعامل مع سورية كنغيمة أو سبيّة؛ لأنه غزاها فعلا واغتصب الحكم فيها لظروف لم تعد قائمة اليوم؛ ولذا عليه الرحيل منها اليوم دون أن يحاول تقديم الذرائع تلو الأخرى؛ كي يبقى في المكان الذي احتله احتلالا، وما زال يحاول احتلاله ولو على جماجم الموتى أطفالا ونساء وشيوخا، ويستجلب الغرباء والدخلاء؛ كي يحتلوا أمكنة الأصلاء، حتى وإن أدى الأمر إلى قتلهم!.

يتحالف النظام اليوم مع أطراف استجلبهم من أتون التاريخ والجغرافيا وثقافة الظلام؛ كي يقتلوا ويسحلوها بعد أن يحولوها إلى "سورياستان".. إلا أن سورية العراقة تستطيع القيام من جديد مثلما طائر الفينيق، رافضة كل ما يجري إلى تحويلها وشعبها الأبيّ إلى مسخ لا ينتمي إلى أي حضارة، وقريبا جدا سوف سيغني الفينيق نشيد الحرية.