على مدى أربعة أيام منذ حوالى أسبوعين، اهتزت إسرائيل بمظاهرات نزل خلالها حوالى 200.000 شخص من طالبي اللجوء وطالبي اللجوء الأفارقة، معظمهم من السودان وإريتريا الذين يعيشون في إسرائيل، إلى الشوارع للمطالبة بإنهاء الحملات الإسرائيلية واعتقال اللاجئين الذين لا يحملون وثائق رسمية وسجنهم في ظروف بشعة، بحيث يمكن الاحتفاظ بهم إلى أمد غير محدود. المتظاهرون الأفارقة نظموا مظاهراتهم أمام سفارات أقوى الدول الديموقراطية في العالم، بما في ذلك السفارة الأميركية، وطالبوا بالاهتمام بأزمتهم: الاعتقالات، عدم مراعاة الأصول القانونية، القوانين التي تساوي بين اللاجئين الذين يطالبون باللجوء وبين المجرمين والتهديدات الأمنية، الهجمات العنصرية، والتصريحات المسمومة من مسؤولين حكوميين يتهمونهم ويتهمون أطفالهم بنشر الأمراض، وأنهم يقفون وراء موجات من الاغتصاب والجرائم.
هناك مسؤولون إسرائيليون أدلوا بتصريحات عنصرية، ومع ذلك لا يزالون يحتفظون بمناصبهم الرسمية في إسرائيل. إيلي يشاي، عضو الكنيست الإسرائيلي عن حزب شاس، قال منذ فترة فيما كانت المظاهرات مستمرة "ليس هناك حل سوى في وضع جميع المتسللين، حتى آخر واحد منهم، في معسكرات الاعتقال، ومصادرة تصاريح عملهم، ووضعهم على طائرات وإعادتهم إلى دولهم أو إلى دولة ثالثة. ... إذا لم يحدث هذا، فنحن على وشك خسارة الحلم الصهيوني".
لماذا تقوم المظاهرات الآن؟ مؤخرا، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية حكما بأن "قانون التسلل" الذي بدأ العمل به في 2012 ويسمح باعتقال اللاجئين لفترة تصل إلى ثلاث سنوات، هو قانون "غير دستوري". الكنيست الإسرائيلي، الذي يهيمن عليه اليمين المتطرف، رد بتعديل جديد للقانون يسمح بالاعتقال لمدة سنة واحدة (ظاهريا، بدون محاكمة)، ولكن حيث إنه لا يحدد مسار العملية القانونية، يمكن أن يكون الاعتقال بلا نهاية. هناك خطط لوضع المعتقلين في منشأة تتسع لـ3000 في وسط صحراء النجف، حيث يسمح لهم بالخروج خلال النهار، ولكن لا يسمح لهم بالعمل ويجب عليهم العودة لإثبات وجودهم ثلاث مرات في اليوم وأن يناموا في المنشأة في الليل.
هل ستطلق النار على الهاربين؟ لا نعرف، وكذلك لا يعرف اللاجئون.
الأفارقة الإسرائيليون كانوا يتظاهرون تحت سمع وبصر جون كيري الذي كان في إسرائيل ويسافر ذهابا وإيابا إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية في محاولة لإنقاذ المفاوضات بين الطرفين حول إقامة دولة فلسطينية تعترف بها إسرائيل. لكن كيري لم يكن لديه الوقت ولا الاهتمام للتعليق على المظاهرات الأفريقية التي تشكل صداعا لا تريد الولايات المتحدة الالتفات إليه حاليا.
لكن كيري لا يستطيع تجاهل القضية لأن قضية اللاجئين الأفارقة واستمرار الاحتلال واضطهاد الفلسطينيين تقوم به جهة واحدة: "الدولة اليهودية".
هذه حقيقة معروفة منذ فترة طويلة. في 2006، تعرض الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر لهجوم لاذع من قبل صهاينة متعددين من جميع أنحاء العالم بسبب كشفه عن نظام الفصل العنصري في كتابه "فلسطين: السلام وليس الفصل العنصري". بعد رحلة شخصية طويلة إلى إسرائيل وفلسطين مع زوجته روزلين، كتب الرئيس كارتر "ستكون مأساة -للإسرائيليين، الفلسطينيين، والعالم- إذا رُفض السلام وسُمح لنظام قمعي، وفصل عنصري، وللعنف المستمر بالانتصار". في عام 2013، نشر كتاب آخر "جالوت: الحياة والكراهية في إسرائيل الكبرى" كتبه ماكس بلومنثال، مشيرا إلى أن الفصل العنصري أصبح أكثر خبثا مما رآه كارتر في 2006.
في مقابلة مع قناة الجزيرة الإنجليزية في الأسبوع الماضي، تساءل بلومنثال عن سبب عدم منح إسرائيل للجوء والحقوق للأفارقة. بلومنثال شرح "لأنهم يُعتبرون من قبل حكومة إسرائيل خطراً ديموجرافيا..."، وأضاف أن هؤلاء الناس، إذا سُمح لهم بالبقاء، سيشكلون خطراً "على الهوية اليهودية لإسرائيل. هؤلاء الأفاقة ليسوا يهوداً"، ووجودهم "يهدد الطبيعة الإثنية للدولة التي ترتكز على فكرة وجود أغلبية يهودية... إنهم يهددون بتلويث النقاء الإثني للدولة الذي يعتمد على أسس عنصرية"، وأكد أن اللاجئين "لا يشكلون تهديدا أمنيا للدولة ويريدون أن يسهموا في المجتمع"، لكنهم ممنوعون من أن يصبحوا مواطنين.
هذه الحقيقة ليست جديدة على الفلسطينيين أو العرب في المنطقة. في نفس الوقت الذي تعتقل فيه إسرائيل الأفارقة السود، تقوم أيضا بنقل البدو العرب الذين يعيشون داخل حدود 1967 بالقوة. في نفس الوقت، تزايدت الهجمات على فلسطينيين وممتلكاتهم، بما في ذلك مساجد، منذ بداية محادثات السلام في صيف عام 2013. في نفس الوقت، أعلنت إسرائيل توسعة جديدة للمستوطنات اليهودية على أراض فلسطينية، حيث تم الإعلان عن البدء ببناء 1600 وحدة استيطانية بعد المحادثات مع كيري.
بالرغم من هذه المؤشرات البشعة والمشؤومة للعنصرية والعنف من إسرائيل، هذا ليس الوقت الملائم لوقف المحادثات التي يديرها جون كيري. إسرائيل تخشى محادثات السلام هذه، ونتنياهو يفعل ما بوسعه لحث الفلسطينيين على التخلي عن المفاوضات. عندئذ يمكن أن يفرح الإسرائيليون ويدعوا زيفا أن الفلسطينيين "لا يضيعون فرصة لإضاعة الفرصة".
حملة "المقاطعة، والتفكيك والعقوبات" ضد الاحتلال الإسرائيلي تتصاعد، ومثل ما تم التنازل عن العقوبات بسبب التنازلات الإيرانية على طاولة المفاوضات، يمكن أن تكون العقوبات منهج عمل لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.