الدعوة إلى الوحدة الإسلامية كانت هي الأساس الذي استغل من قبل الإخوان المسلمين القادمين من مصر وسورية الذين كانوا يمارسون ما يسمى بالإسلام السياسي الثوري الاجتماعي. كان هدفهم إسقاط نظام حكم مسلم بتدبير انقلاب عسكري حيث كان سيد قطب هو عراب هذه النوع من الجهاد كانت أهدافه سياسية باطناً وظاهراً، إذ كان الفساد والقمع وسوء سيرة الحاكم المسلم من مبرراته المعلنة، وبذلك تم استغلال دعوة الملك فيصل -رحمه الله- إلى تشكيل وحدة إسلامية، حيث قاموا باستغلال مفهوم التضامن الإسلامي الذي اقترحه الملك فيصل مذهباً في السياسة الخارجية، لا مشروع وحدة سياسية ليكون مقابلاً للقومية العربية العلمانية التي دعا إليها جمال عبدالناصر، لكن ذلك أدى -فيما بعد- إلى تأثر رابطة العالم الإسلامي بحركة الإخوان المسلمين الذين تمتعوا بحضور قوي فيها.

من هنا كانت بداية خيوط الزج بشبابنا في أفغانستان، فبقيام المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر بإرسال زوج شقيقة سيد قطب (كمال السنانيري) إلى باكستان لتقييم وضع الجهاد الأفغاني وإمكانية المشاركة فيه، وفي أثناء عودته إلى مصر عرج على السعودية لأداء الحج، حيث التقى بعبدالله عزام وأبلغه عن الوضع في أفغانستان واتفقا على أن يذهبا إلى باكستان سوياً، لكن القدر لم يمهل (السنانيري) الذي توفي في المعتقل، فسافر عزام إلى باكستان وأخذ على عاتقه تصدير أولادنا للجهاد في أفغانستان في أواخر عام 1981، وبذلك كانت أول مشاركة سعودية في أفغانستان من خلال الإخوان المسلمين، الذين كانوا آنذاك يمتلكون نفوذاً في المدينة المنورة تحديداً التي بدأت منها التعبئة للجهاد في أفغانستان للمرة الأولى، فكانوا -مع الأسف- من جمعية الهلال الأحمر، ومن اللجنة السعودية للإغاثة في عام 1980، وفي عام 1982 كتب عبدالله عزام مقالته الأولى عن الجهاد الأفغاني، ولاقت صدى واسعا ليس فقط في السعودية، بل في العالم العربي كافة، لاعتمادها على سببين: الأول؛ الحديث عن كرامات الشهداء، والثاني؛ فتاوى الجهاد بأفغانستان.

رغم كل ذلك كانت عملية تجنيد السعوديين بطيئة جداً، حيث وصل عددهم عام 1984 إلى 16 مقاتلاً سعودياً مقيماً في أفغانستان، ومع دخول عام 1987 زادت أعداد المتطوعين السعوديين زيادة كبيرة، بقيت إلى ما بعد انسحاب "السوفيات"، حيث كان لهم حضور قوي في بيشاور وأفغانستان، وكانت لهم مشاركتهم في الحرب الأهلية الأفغانية بين المجاهدين والنظام الشيوعي، إلى أن أصبح وجودهم في المنطقة غير مرغوب فيه من جانب السلطات الباكستانية في أبريل من عام 1992 .

هكذا بدا ما يسمى بـ"الجهاد" في السعودية، فالجهاد في اللغة أو في اصطلاح القرآن والسنة، يأتي بمعنى أعم وأشمل، يشمل الدين كله وتتسع مساحته ليشمل الحياة كلها بسائر مجالاتها وهذا ما يسمى بالجهاد الأكبر. وله معنى خاص هو القتال لإعلاء كلمة الله وهذا يشغل مساحة أصغر من الأولى ولهذا سُمِّي الجهاد الأصغر.

إن حصر مفهوم الجهاد في "القتال" خطأ في فهم الكتاب والسنة، وهذا ما يوضحه ابن الكثير في تفسيره، فإن الجهاد فيهما جاء بمعنى القتال، وجاء بمعنى أكبر من ذلك وأشمل: قال تعالى: (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً).. قال ابن عباس رضى الله عنهما: "وجاهدهم به أي القرآن".

وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)، فسر ابن الكثير هذا بأن ليس المراد بجهاد المنافقين القتال، لأن المنافقين يظهرون الإسلام ويتخذونه والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقاتلهم بل عاملهم بظواهرهم، وحتى من انكشف كفره منهم كعبد الله بن أبى بن سلول لم يقتله سياسة منه، صلى الله عليه وسلم، وقال: "لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه". ولكن جهاد المنافقين يكون بالوسائل الأخرى، مثل كشف أسرارهم ودواخلهم وأهدافهم الخبيثة، وتحذير المجتمع منهم، كما جاء في القرآن. وقال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).

فهل ما يحدث في سورية الآن وقبلها العراق وقبلها أفغانستان ينطبق عليه معنى الجهاد؟!