تتشكل بنية العنوان لهذه المقالة مستلهمة المستشرَف من نتائج بيئة منهجية شأنها تقديم المعلومة وإكساب المهارة الأمر الذي يأخذ مستهدفيها إلى مدارك علمية وثقافية أوسع، أعلم أن المسمى غير منطقي خاصة وهو يقصى دورا مهما من أدوار التعليم ألا وهو التربية السلوكية التي أصبحت اليوم متضمنة داخل النظرية البنائية، بعد أن كان الهدف السلوكي بارزا ومطمحا يراد تحققه في شخصية الطالب، وهنا ليس لهذه الزواية العجلى أن تفند الآراء بين ما هو سلوكي أو بنائي في عمليات التلقي لأن مجال النقاش حولهما يقارب اتجاهات أخرى حفلت بها كتب التربية وعلم النفس.

اليوم يتسنم وزارة التربية والتعليم قائد خبير صاحب رؤية فكرية وثقافية تشهد على حضورها سيرة حافلة بالمنجزات على هذا الصعيد، الأمر الذي يجعلنا أمام حالة ثقافية ستطرأ على مسار التعليم الذي هو رهان التنمية في بلادنا سابقا وحاضرا ومستقبلا، إنها سلسلة منطقية في التعاطي مع العلم واستثمار التعلّم حيث طرفها الآخر وليس الأخير هو الثقافة بكل شموليتها المعرفية والسلوكية والتواصلية والإبداعية، طالب اليوم كائن معلوماتي صِرف بحسب قدرته على استقبال التدفق المنهال عبر وسائط التقانة، غير أنه ليس مهاريا بالقدر الكافي إذا ما علمنا أن المهارة الصحيحة هي تلكم المؤسسة على العلم بوصفه قاعدة أساسية تمدّ المهارة بخارطة طريق الحذق والتفوق والإتقان، وهو أيضا متلق غير فارز أو قل إنه لا يملك القدرة على تصنيف المدخلات المعرفية، ولهذا نراه متخبطا بين الكمّ المعرفي دون أن يؤثر ذلك في مقدرته على التفكير أو تحديد رؤاه بشيء. وعليه فإن إرساء المشروعات التي من شأنها إعادة الاعتبار لأمهات العلوم علوم الشخصية وأسس الفنون والآداب بات مطلبا ملحّا إخاله يحيل المستهدف من العملية التعليمية إلى ما يشبه "المعالج" في الحواسيب المبرمجة، مستندا إلى مكتسبات رصينة تلقاها من الدرس اليومي المحفز، ولا بأس بشيء من رهبة العلم وإعطائه حقه بعيدا عن سموم الملخصات والمذكرات المبتسرة التي لن تقدم سوى جيل هشّ الثقافة، متهالك البنية العلمية، وغير جدير بأن يقف في مصاف الباحثين المتسائلين العاملين على الرقي بشأن مجتمعاتهم وأوطانهم. وعليه فإن وزارة التربية والتعليم هي من يتحمل مسؤولية خفوت وهج المفكرين والمثقفين.. هل قلت: "والمبدعين"؟