لا شك أنّ الأستاذ "أحمد الشقيري" أثبت قدرته على الاستفادة من تجاربه السابقة ومن النقد، ليخرج "خواطر" بصورة "أحسن" تقويما موسما بعد آخر. والإحسان كمفهوم وقيمة مفتقدة في ثقافتنا يتكرر كثيرا في البرنامج هذا العام ويشكل إحدى مفردات شعاره؛ وتُوظف كلمة "الإحسان" كفلاش منبّه كلّما وضح فعل إحسان التقطه البرنامج للمسلمين السابقين، أو خلال عرضه لبعض المنجزات التقنية أو الحضارية في الدول العربية والإسلامية التي صور فيها. وإن كان البرنامج لا يزال يدور في فلك الوعظ بالصدمة، وهو أسلوب بدأه خواطر العام الماضي وما زال سائرا على نهجه، برغم اختلاف طرق التناول هذا العام. وكما وجد "خواطر" منفذا للخروج من الوعظ النمطي التقليدي، آمل أن يخرج من النسق الوعظي المثالي تماما، إلى آفاق أرحب وأكثر قدرة على إثارة الأسئلة، حتى لو كان تركيزه على مرحلة الابتدائي والمتوسط والثانوي - كما أكّد في أولى حلقاته -، فالأجيال الشابة تفرض تحدّيا كبيراً على من يوجه خطابه لها؛ بحيازتها لأدوات العصر وذكائها المتقد، ووعيها الناضج المتّسع على العالم بأسره.
و"خواطر 6" يؤكد على إحياء فكر النهضة باستلهام الماضي، وربط الأجيال الشابة بوشائج وثيقة مع تاريخها، وتجديد الصلة المعرفية بالتراث؛ لا فرض قطيعة معه. وهو ما اتفق معه تماما؛ فالإنسان في حاضره يتحرك بين الماضي والمستقبل والخلف والسلف. فيما لم يغفل البرنامج أهمية الانفتاح على الآخر ورفض الانكفاء على الذات. وفي تقديري أنّ البرنامج استطاع التحرك بمرونة بين الوقوف على الأطلال والتغني بإنجازات الماضي، وبين محاولة تخليق روح تحفيزية تتوق للانعتاق من التخلف والخروج إلى رحاب العصر. وإن كان التغيير سياقاً ومناخاً عامّاً، لا يمكن لفرد واحد صنعه؛ ويتطلب الإرادات السياسية الفاعلة في العالم العربي؛ لتقضي على الفساد المالي والإداري وتفعل آليتي المحاسبة والمساءلة، وثقافة الإحسان والإتقان في العمل.. وتكافؤ الفرص المعتمد على الإنجاز لا الولاء والجهويّة.
لا شك أنّ لشخصية أحمد الشقيري (الكارزماتية) وأسلوبه السهل الممتنع دوراً في إيصال رسائل البرنامج بنجاح، وإن كان يؤخذ عليه -أحيانا -المبالغة في الأداء و التورّط في الوعظ المباشر وممارسة الأستاذية على المتلقي، والوقوع فيما يشبه الترويج والدعاية لأحد المستشفيات الخاصة في إحدى الحلقات!
وأولا وأخيرا لا يسعني مع جودة ما قدمه خواطر هذا العام إلا قول: أحسنت أحمد الشقيري.