وأنا أرى أحد المذيعين الشباب في برنامج حواري، وهو يرتجف مدافعاً عن شاب تم ترحيله ووضحت الجوازات وضعه، تذكرت قولاً اعتاد الناس ذكره علامة على استحالة حدوثه وهو: "إذا ماتت الفزعة في قلوب البدو"؛ ذلك أن البدو اعتادوا إجابة أي صريخ يطلب النصرة، ثم بعد أن ينصروه على من آذاه يسألونه عن سبب "المضاربة أو المشكلة"، وقد لا يسألونه على كل حال ربما لأنهم بذلك قد يكتشفون خطأ نصرتهم وأنهم ربما "فزعوا" لمجرم أو للشيطان نفسه أو تسببوا لأنفسهم في مذمة من غيرهم.
في الواقع تلك الأخلاق البدوية هي بسبب أن ترحال البدو الدائم جعلهم بعيدين عن الحياة الواقعية وعلمهم المرتبط بالبيئة البسيطة من حولهم وتجربتهم تحكم أخلاقياتهم وسلوكياتهم في واقع الأمر.
في سياق هذه القضية، يقول الواقع: إن عدم اتخاذ قرار فيما يخص هذا الرجل "أعني الشاب الذي وضحت الجوازات تزوير والده لمستنداته عند حصوله على الجنسية السعودية" كل هذه السنوات هو قرار خاطئ؛ كما يقول علماء الإدارة "عدم اتخاذ قرار هو قرار خاطئ"، وللعلم هناك مثله العشرات مازالت تؤجل مسألة البتّ في قضاياهم ممّا يثير الدهشة، وقد يحدث يوماً مثلما حدث في قضية هذا الشاب، خاصة أنه كانت له مكانته داخل المجتمع الإعلامي والتعاوني، بل إنه تحدث في مجلس الشورى باسم الشباب السعودي؛ ممّا يجعل هناك مبررا قويا لدى الشباب للشعور بمظلومية هذا الرجل الذي يظن الجميع أنه سعودي، لكن موقف الجوازات الشديد والحاسم الذي صرح بمحاسبة كل من ينشر إثباتات تعدها مزورة هدأ من وتيرة "فزعة" شبابنا وأسكت الكثيرين من أهل الفزعات، وفي رأيي كان أبلغ كمهدئ وقتي من مجرد توعية الشباب بحساسية مثل هذه القضايا، ثم سرد قصة الجاسوس الإسرائيلي الذي كاد أن يصبح رئيس وزراء سورية لولا أن البطل المصري رفعت الجمال شاهد صورة له بالصدفة على رف في بيت أهل زوجته في تل أبيب، وهو - أي رفعت - استطاع الحياة داخل إسرائيل كيهودي على الرغم من قوة جهاز الاستخبارات وطبيعة هذه الدولة المتشككة، ولا أقول ذلك تشكيكاً في الأخ الصومالي، لكن مثل هذه القضايا تحدث ولا يجب الاندفاع فيها حتى نتيقن، وشباب السعودية في تويتر وفي المشهد الثقافي والإعلامي "أهل الفزعات".
من جانب آخر، ربما يسير بنفس الخط ولا يختلف عنه إلا في نسبة مستوى "الفزعة" أحفاد الذين فزعوا للأفغان يوماً ها هم يفزعون لسورية، بل يفزعون لحلم كاذب اسمه الدولة الإسلامية على يد مجرم اسمه داعش يعرف تماماً أن الشباب السعودي لديه من الحمية العربية والفزعة الكثير، وبكلمات قليلة أدخلهم فخ الدبابير حتى لم يعودوا يبصرون، فشاهدنا سعودياً أرداه سعودي آخر في مكان ليس السعودية قطعاً.
تحدث الأفغان يوماً وقالوا: لسنا بحاجة للرجال، ومع ذلك مضى الشباب لنصرتهم، وعادوا بأمجاد وهمية لم تحدث حتى في عهد الصحابة رضي الله عنهم، واليوم نفس الحكاية تعاد على الرغم من رفض السوريين واستغنائهم وقدرتهم كرجال على قيادة ثورتهم، سارع شبابنا إلى حتفهم، والثورة السورية جعلت أعداءها يستغلون الوضع ويذكرون العالم بإرهاب القاعدة في تورا بورا، بينما انشغلت برامجنا الحوارية باتهام فلان وعلان بأنهم خلف جهاد الشباب!
الشباب الذي "يفزع " كرأي شخصي غالباً خلفه غضب شخصي عجز عن إيجاد حل له أو تفريغه؛ فيتجاهل مشاكله وهمومه وينطلق بكل عاطفية بحثاً عن حلول لمشاكل غيره، خصوصاً إذا كانت الجهة الأخرى هي المسبب - بطريقة ما - لمشاكله فيدعي أنه ينصر غيره وهو فقط يفرغ غضبه.
إن مشكلة "فزعة الشباب" تقود بلادنا إلى خسارة شبابه في قضايا خاسرة سلفاً. إن العالم الذي يعد نفسه متقدماً يحسدنا على النسبة العالية للشباب 70%، لكن ذلك قد يكون وبالاً علينا لأننا لم نصمم لهم دوراً مناسباً في واقعنا فطفقوا يبحثون عن دور وسط عالم أصبح قرية واحدة يتناقل الناس فيه تجاربهم وهمومهم وردات فعلهم، خصوصاً مع حمّى الثورات العربية التي جمعت الشباب العربي من الخليج إلى المحيط وفرقته أيضاً.
ومن المؤسف أننا لا نملك مراكز بحث مجتمعية تستطيع أن تخبرنا عمّا يحدث داخل مجتمعنا وتقيس المتغيرات والمسببات وتصف الحلول؛ ممّا يجعل المجتمع يسير وشبابه دون مراقب يصف المشكلة بدقة ثم يحدد لنا الحلول، لنقدمها للمربين من الآباء والأمهات والمعلمين والمعلمات والقيادات العليا لإيقاف هذا النزف في مكمن قوة المملكة وهم شبابها الذين يفترض أن يكونوا حماة لها.