أما ولا زالت الأسئلة الخاصة باتفاقية وزارة الشؤون الاجتماعية مع شركة التأمين الصحي الخاصة بلا إجابة، التي تم طرحها في مقال الأسبوع الماضي، فإنه لا بد من فتح ملف التأمين الصحي للمواطنين الحساس، الذي ما زال يتم تداوله خلف الأبواب الموصدة.

نشرت صحيفة اليوم بعددها الصادر بتاريخ 29/ 9/ 2013 خبرا عن إحالة التأمين الصحي للمواطنين إلى مجلس الوزراء لدراسته، حيث ذكرت المصادر المطلعة حينها أن اللجنة الحكومية المختصة بدراسة التأمين الصحي للمواطنين قد أنهت دراستها باختيار نموذج التأمين الصحي الاجتماعي، واستندت بذلك على دراسات موسعة مشتركة قام بها مجلسا الخدمات الصحية والضمان الصحي، وشارك بها عدد من الجهات الحكومية والقطاع الخاص وشركات التأمين الصحي وعدد من الخبراء العالميين.

هذه الدراسات الموسعة، أسقطت أهم المشاركين والمعنيين بهذا المشروع وهم المواطنات والمواطنين، ولعل هذا المقال يسد ثغرة نسيانهم بتزويد صناع القرار بمنظورهم الغائب، خاصة وأن المشروع سيؤثر على حقهم بالرعاية الصحية المكفول بنظام الحكم الأساسي بمادته 31.

من السهل التنظير والإسهاب في الحديث عن التأمين الصحي ونماذجه وطرق تمويله، ومن السهل أيضا الانحراف عن أهدافه الرئيسة متى ما غاب اللاعب الرئيس في إنجاحه، متى ما غاب المستفيد منه، المواطن.

يفز قلب المواطن كلما لاح خبر عن التأمين الصحي له، خاصة مع سوء واقع الخدمات الصحية الحالي؛ لأن التأمين الصحيح هو ما سيكفل حقوقه الصحية الرئيسية الثلاثة: علاجه عند مرضه، والمحافظة على صحته قبل المرض وبعد العلاج، وحمايته من الإفلاس والديون الناتجة عن الدفع للخدمات الصحية من جيبه الخاص.

وحتى يتحقق للمواطن حقه بالرعاية الصحية المنصوص عليه نظاما، فإن التأمين المنشود لا بد أن يستوفي الشروط الرئيسية الثلاثة: أن تكون الدولة مسؤولة عن سداد أقساط التأمين الصحي عن كل مواطن، وأن تكون الدولة عبر مؤسسة أو هيئة هي الجهة "الوحيدة" التي تقوم بالتأمين على الخدمات الصحية الأساسية للمواطن، وأن تشمل الخدمات الصحية "الأساسية" الخدمات الوقائية والعلاجية والتأهيلية وما تتطلبه من فحوصات طبية وصحية.

وعليه، فإنه يتبقى لشركات التأمين الصحي الخاصة تغطية المستفيدين من غير المواطنين، وتغطية الخدمات الصحية الإضافية للمواطنين، وكلها لا بد أن تخضع لتنظيم ومراقبة الهيئة السابقة؛ حتى لا يتم رفع أسعار بوليصات التأمين لغير المواطنين كردة فعل متوقعة على حماية الدولة للمواطنين ووثائق تأمينهم، وجيوبهم أيضا، بإقرار نظام التأمين الصحي الإجتماعي.

حجر الزاوية لأي نظام تأمين صحي اجتماعي، هو لائحة الخدمات الصحية "الأساسية"، لأنها الشعرة بين نجاح التأمين وإفلاس المواطن. تشمل قائمة الخدمات الصحية الأساسية الشمولية التالي: الرعاية الصحية الأولية، والعيادات التخصصية الخارجية، والطواريء، والتنويم بما فيه الجراحات، ورعاية الأمومة والطفولة الصحية، ورعاية الصحة العقلية، وعلاج الإدمان، والرعاية التأهيلية، والوصفات العلاجية من أدوية وأجهزة دعمية وتعويضية، والرعاية التأهيلية، والرعاية الوقائية بما فيها متابعة الأمراض المزمنة، والفحوص المخبرية والأشعة، إضافة إلى الخدمات الصحية المصممة لمناطق المملكة المختلفة، كل حسب نتائج المسوحات ودراسات الاحتياجات الصحية الخاصة بها.

لم يذكر القائمون على الدراسات الموسعة السابقة الذكر أسس دراساتهم، فهل استخدموا مسوحات وطنية لمعرفة معدلات الوفيات والأمراض في كل منطقة وفئة عمرية وجنس؟ هل تمت دراسة معدلات استخدام الرعاية الصحية الحالية؟ وكيف كانت تجربة النظام الصحي مع التأمين على غير المواطنين والمواطنين في القطاع الخاص؟ هذه الأسئلة وغيرها مهمة في تحديد لائحة الخدمات الأساسية، التي ستقوم الدولة بالتأمين عليها، فلا يمكن، على سبيل المثال، أن يتم خصم عدد جلسات غسيل مريض فشل كلوي تحت مظلة التأمين الصحي الاجتماعي، ومن ثم رميه وبقية جلساته لشركات التأمين الخاصة، تحت لائحة الخدمات الصحية "الإضافية".

ذكرت وزارة الصحة في عدة مناسبات - ممانعة حينها - أن الهدف من التأمين الصحي هو التمويل وليس جودة الخدمات الصحية، ومع التحفظ على ذلك، إلا أن منظور الوزارة تجاه التأمين يطرح عدة نقاط مهمة حول قدرة نظام التأمين المقترح على تحفيز مقدمي الرعاية الصحية، خاصة وأن 80? منهم هم من القطاعات الصحية الحكومية.

وعليه، هل ستقوم الدولة بدفع مبالغ التأمين الصحي لمقدمي الرعاية الصحية، مستخدمة نمط رسوم الخدمات الصحية، وهو النمط المستخدم حاليا في القطاع الصحي الخاص لدينا؟ هل سينتهي الحال بأن يصبح المحفز للرعاية الصحية لدينا هو استنفاذ تغطية وثائق التأمين الصحية الخاصة بالمواطنين بكم الرعاية لا جودتها، خاصة مع غياب الرقابة الفاعلة وضعف الأدلة العلاجية والوقائية والتأهيلية؟ أم هل سيتم مكافأة مقدمي الرعاية الصحية الذين يقدمون خدمات ذات جودة عالية عبر ما يعرف بالمدخرات المشتركة؟ على سبيل المثال، هل سيقوم مجلس الخدمات الصحية بمكافأة أحد المستشفيات الجامعية بإعطائه ومشاركته جزءا من المبالغ التي قامت جودة خدماته الوقائية والعلاجية بتوفيرها على الدولة كمحفز لتحسين الرعاية الصحية للمواطنين؟ وإن كان كذلك، كيف سيتم ذلك مع استقلالية ميزانيات أعضاء مجلس الخدمات الصحية؟

لقد مات كل أمل للمواطن بتحسن الخدمات الصحية الحالية، ولم يتبق له سوى انتظار مولود التأمين مجهول الملامح لإعادة ثقته وشعوره بالأمان الصحي، فعسى ألا يولد مسخا، ظاهره تأمين صحي اجتماعي وقلبه محتكر من شركة تأمين صحي خاصة.