بينما أنا وشقيقي نتهيأ للنوم بعد أن حزمنا حقيبتينا استعداداً لسفر طويل في صباح الغد الباكر، تواترت لنا أنباء بأن الملك عبدالله "حفظه الله" سيلقي خطابا تاريخيا في اليوم التالي بعد صلاة الجمعة الموافق الثامن عشر من مارس 2011، وأن الخطاب سيتم بثه عبر قنوات التلفزيون السعودي. شدتني رغبة كبيرة لأن أستمع لهذا الخطاب فشاورت شقيقي بأن نؤجل السفر إلى ما بعد مشاهدتنا للخطاب، فاقترح أنه يمكننا مشاهدته في إحدى "استراحات" المسافرين المنتشرة على امتداد الطريق. ورغم أنني أعد اضطرارنا للمرور باستراحات الطرق الطويلة من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب، إلا أنني أيدته على اقتراحه توفيراً لوقتنا الضيق.
وفي اليوم التالي، توقفنا في إحدى الاستراحات المهترئة في محطة تبعد مسافة 400 كم تقريباً من موقع انطلاقتنا، وجلسنا باهتمام في أقرب مكان للتلفاز. كنت مندهشاً وأنا أشاهد عبر الواجهة الزجاجية للاستراحة الكثير من المسافرين وهم يتوافدون فرادى وجماعات للاستماع إلى خطاب الملك، ولأني كنت الأقرب لشاشة التلفاز الصغير كانوا بمجرد دخولهم يبادر البعض منهم بسؤالي هل بدأ خطاب الملك؟ وبعد أن أجيبهم بالنفي يتوجهون مسارعين لاختيار أقرب مكان ممكن من التلفاز بعد أن يصيحوا على عامل الاستراحة بطلب القهوة العربية أو الشاي؛ الذي كان يسارع لتقديم المشروبات بسعادة إثر الأرباح التي سيجنيها من تدفقنا غير المتوقع عليه، تسمرنا جميعاً بصمت ننتظر أن نسمع خطاب والدنا أبي متعب الذي أتى ليطمْئن قلوبنا وسط الفتن التي خلفها "الخريف العربي"، ولم تمض دقائق معدودة من تجمعنا دون موعد مسبق، ولقائنا على اختلاف مشاربنا وقبائلنا، إلا أننا اتفقنا على وحدة وطننا وجلسنا بحب للإنصات، حتى استهل قائدنا خطابه بصوته الأبوي قائلا: "أيها الشعب الكريم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. كم أنا فخور بكم.. والمفردات والمعاني تعجز عن وصفكم.. أقول ذلك ليشهد التاريخ.. وتكتب الأقلام.. وتحفظ الذاكرة الوطنية بأنكم بعد الله صمام الأمان لوحدة هذا الوطن وأنكم صفعتم الباطل بالحق. والخيانة بالولاء وصلابة إرادتكم المؤمنة."
حتى ختمها بقوله "يعلم الله أنكم في قلبي، أحملكم دائما وأستمد العزم والعون والقوة من الله ثم منكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ولا تنسوني من دعائكم"
ومن ثم أطل علينا المذيع سليمان العيسى "رحمه الله" يتلو علينا العديد من الأوامر الملكية التي أمر بها ملكنا المحبوب حرصاً على حل مشاكل رئيسة؛ وكان من أهمها تخصيص مبلغ 250 مليار ريال سعودي لبناء 500 ألف وحدة سكنية لتفريج أزمة ومشكلة السكن التي يعاني منها أغلبية المواطنين.
لا أستطيع أن أصف لكم مدى الفرحة التي عمتنا جميعاً بعد استماعنا لحزمة الأوامر الملكية الإصلاحية، كنت أقرأ السعادة في عين كل سعودي التقيته بذلك اليوم، وعايشتها وسط مسيرات الاحتفال التي كنت أشاهدها في كل محافظة أمر بها على امتداد طريق سفرنا الطويل.
بعد استقلالنا السيارة لمواصلة ما تبقى من مسافة السفر، فتشت في محركات البحث "الإنترنتية" عن السيرة الذاتية لرئيس هيئة الإسكان؛ الذي أمنه الملك أن يسلمنا 500 ألف وحدة سكنية بأسرع وقت، فوجدت سيرته زاخرة بالمؤهلات العلمية والخبرات؛ فهو الحاصل على الدكتوراه من جامعة كرانفيلد من المملكة المتحدة، وترأس لجنة الشؤون الاقتصادية والطاقة بمجلس الشورى، ومحافظ الهيئة العامة للإسكان من العام الـ1427، حتى تم تعيينه وزيراً للإسكان، امتلأتُ شعوراً بالتفاؤل بأن معالي الوزير "شويش الضويحي" سيفوق كافة توقعاتنا وسينجز المهمة الجسيمة بوقت وجيز؛ وصادق على توقعاتي تقرير نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" في اليوم التالي لخطاب الملك في عددها رقم "11799" الصادر بتاريخ 19 مارس 2011، يفيد بأن الخبراء العقاريين والاقتصاديين يتوقعون انتهاء أزمة المساكن في السعودية بشكل كامل خلال 3 أعوام، إلا أنه مع مرور الأيام والشهور والسنوات تناقصت مشاعر التفاؤل حتى أصبحنا نشعر بأن سفينة السكن التائهة في محيطات تضخم الأسعار إثر تعطل البوصلة التي تدلها على الطريق الصحيح مازالت تحتاج إلى توجيه دقيق نحو بر الأمان.
ما زال الأمل مع وجود مجمعات وعدت الوزارة بتسليمها في شهر شوال في أربع مناطق، كما نشرت "الوطن"، إلا أن هناك مناطق ليست فيها "طوبة" واحدة، ولذا والآن بعد مضي 3 سنوات دون أن نتسلم أي وحدة سكنية، وجدت نفسي "ارتوت" لتغريدة عبر موقع التدوين المصغر "تويتر" للأخ العزيز "بندر الضبعان" الكاتب في صحيفة "الاقتصادية" يقول فيها "السعوديون المنتظرون للقروض السكنية يرددون أغنية أم كلثوم: أغداً ألقاك يا خوف فؤادي من غدٍ.. يالشوقي واحتراقي في انتظار الموعد".