بعد مشاركته في ملتقى الشعراء الشباب الذي نظمه نادي جازان الأدبي، كتب الشاعر الشاب عبدالرحمن أحمد عسيري على صفحته في "فيسبوك": "ملتقى كملتقى جازان الشعري للشباب يجعلك تراجع مستوى شاعريتك وتتأمل مكامن الضعف فيها، وتدرك أنه من اللازم والحتمي أن تبدأ من جديد في اكتشاف ذاتك الشعرية والعمل على صقلها".

لو لم يكن من إيجابيات هذا الملتقى إلا وجود مثل هذا الشعور لدى شاعر تتنفسه القصيدة، فيحيا بها، لكفى، لأنه دليل ناصع على أن مستوى النصوص الشعرية المقدمة مرتفع جدا، إلى الحد الذي يجعل شاعرا ممتازا يجهر بأنه ينوي مراجعة تجربته.

وللحق، فقد كنت أحد المذهولين من المستوى الفني الرفيع الذي تتسم النصوص الشعرية التي قدمها الشباب خلال الجلسات الشعرية، واستصغرت معها تجارب كبيرة، ثم عدت لأعزي ذاتي وجيلي بمسألة "محاكمة النصوص وقائليها بالنظر إلى مرحلتها".

جل هؤلاء الشباب تمكنوا من أدواتهم، واستوعبوا التراث الشعري العربي، وأجادوا الإيقاع التقليدي، ثم انطلقوا إلى مساحات "التجريب" الواسعة، ولم يذهبوا إلى "التجريب" و"التجديد" قبل أن يكوّنوا لتجاربهم قواعد راسخة في أرض القصيدة.

ذهول الحاضرين كان ناجما عن كون المشاركين لم يتجاوزا الثلاثين من العمر، وبالرغم من ذلك، فإن نصوصهم تدل على قراءات واسعة في الشعر العربي قديمه وحديثه، فضلا عن وجود قدرة ممتازة على التوظيف، وتشكيل الصورة، ما يعني أن القصيدة السعودية ذاهبة إلى درجات عليا، وأن سيطرة "الشفاهي" الذي صار "مكتوبا" ليست سوى وهم شكّله "الإعلام" بوسائطه الهشة، واختياراته التي لا تعرف ماهية "النص"، بوصفه "كيانا" ذا مكونات كثيرة، لا "صوتا" وحسب.

الشباب المشاركون لم يكونوا في حاجة إلى توجيهات عامة أو خاصة، لأنهم يعرفون "الشاعرية"، ويدركون أنه يتحتم على كل منهم أن يكون هو، لا غيره، ولذا كانت الوصايا العلنية والجهرية التي تخللت الملتقى ممجوجة، ولم يكن الشباب يستمعون إليها بقلوبهم، وإنما كانوا يستمعون إليها بآذان تجامل حياء، على الرغم من أنهم قد جعلوا استقلالهم في آذانهم، واختطوا طرائقهم.

الملتقى كان "ذكوريا" بنسبة تتجاوز المعقول، وكانت المشارَكات الآتية من "داخل الحاجز" خجولة جدا، وربما عاد ذلك إلى اعتذار بعض الشاعرات، أو سيطرة "ثقافة الحذر" على أداء الرائعين في النادي، بيد أن الشاعرة هدى الدغفق، انتصرت لبنات جنسها بطريقة مباشرة حين أحضرت غيابهن، من خلال إصرارها على إلقاء بعض النصوص لشاعرات سعوديات.

انتهى الملتقى، ونجح مجلس "أدبي جازان"، أكثر من نجاح، برغم العقبات كلها، لكن "جيزان" ستبقى مع الشعر من خلال أمسيات شعرية متتالية ضمن فعاليات "جائزة السنوسي"، التي ينظمها مجلس التنمية السياحية، والجميع على ثقة كبيرة من أن اختيارات شاعر كمحمد إبراهيم يعقوب ستكون ممتازة كفنه القولي الممتاز.

حاولت "أعلاه" أن أتخلص من عاطفة الحب الجارف لجيزان وأهلها.. علني أكون موضوعيا.. ولن..