لا يختلف اثنان على أن العلاقات السياسية بين مصر والسعودية، أثبتت عبر الأيام الأخيرة مدى الترابط الوثيق بين البلدين الشقيقين، لكونهما يعيشان في خندق واحد ويأويان إلى بيت واحد. فمن أصل 203 دول معتمدة في الأمم المتحدة و160 دولة عضو في منظمة التجارة العالمية و242 اتفاقية إقليمية للتجارة الحرة، قلما نجد اليوم دولتين متجانستين ومتقاربتين ومتكاملتين مثل مصر والسعودية. وفي الوقت الذي يشكل عدد سكان مصر والسعودية 33% من سكان الوطن العربي، نجد أن مجموع الناتج المحلي الإجمالي للدولتين الشقيقتين يفوق نسبة 59% مجموع الناتج المحلي لكافة الدول العربية، وأن تجارتهما الخارجية تزيد عن 51% من تجارة العالم العربي مع كافة دول العالم.
إحصائيات العقد المنصرم تؤكد على ارتفاع إجمالي الصادرات المصرية إلى الدول العربية بنسبة 50%، لتحقق السعودية المركز الأول بنسبة 56% منها، بينما حققت الواردات المصرية من الأسواق العربية ارتفاعا ملحوظا بنسبة 185%، لتحقق السعودية أيضا المركز الأول بنسبة 132%. ومع هذه المزايا التجار والتقارب السياسي والترابط الشعبي، إلا أن جهود الأقلمة بين مصر والسعودية ما زالت تحبو ببطء شديد نحو معالجة أهدافهما المصيرية؛ وذلك لعدم استغلال الدولتين الشقيقتين لقدراتهما التنافسية ومزاياهما النسبية اللازمة لتحقيق طموحات البلدين.
اليوم تنعم مصر والسعودية بأفضل المواقع الاستراتيجية في العالم وعلى رأسها ممر قناة السويس وباب المندب في شمال وجنوب البحر الأحمر، مما يخول البلدين الشقيقين، طبقا للاتفاقات الدولية، إنشاء أكبر الموانئ العالمية وأرقى المناطق الاقتصادية، وتوفير خدمات النقل البحري على ضفاف البحر الأحمر؛ لتنمية صادرات الدولتين، وتسهيل حصول أسواق القارات الخمسة على أفضل المنتجات المصرية السعودية المشتركة.
واليوم تنعم مصر بمصب نهر النيل العظيم، الذي يعد أطول أنهار العالم وأكثرها غزارة، إلى جانب أفضل المناطق الزراعية خصوبة وأجملها بيئة، مما يساعد البلدين الشقيقين على إنشاء أكبر مخزون استراتيجي في العالم للماء والغذاء، وبناء أقوى التكتلات الاقتصادية، وأفضل المشاريع الزراعية والصناعية، وتبادل الخبرات في مجال التعليم والصحة والإنشاءات والخدمات العامة والبيئة والتوزيع، إلى جانب توحيد مواصفاتها وتنظيم قوانين تداولها.
واليوم تنعم السعودية بموارد الطاقة النفطية، إلى جانب تمتع البلدين الشقيقين بمقومات الطاقة الجديدة والمتجددة، مما يجعل من أسواقهما موئلا مناسبا لتنويع مصادر دخل شعوبهما وتوطين وظائف أبنائهما من خلال مشاريع الربط الكهربائي، وتصنيع أجهزة الطاقة الشمسية وقطع غيار معدات الطاقة بمجالاتها المختلفة، وبناء المعاهد الفنية ومراكز الأبحاث المشتركة، وتدريب المواطنين من كلا البلدين.
واليوم ينعم البلدان الشقيقان بالعمالة الفنية الماهرة والتمويل المميز والتبادل التجاري الذي تجاوز 20 مليار ريال في العام الماضي، مما يتطلب زيادة فتح أسواقهما، وتسهيل تدفق استثماراتهما البينية، وإلغاء الرسوم الجمركية، وتنفيذ حلم الجسر الذي يربط بين الدولتين، وإقامة خطوط السكة الحديدية، وتيسير حركة النقل البحري والجوي في المجالات التجارية والسياحية، إضافة إلى توفير المناخ الصحي لرجال الأعمال والشركات وحماية استثماراتهم؛ كي ترتفع وتيرة التبادل التجاري بين البلدين، ويتضاعف مستوى انتقال الأفراد ورؤوس الأموال والمعرفة الفنية.
تصوروا لو بدأت مصر والسعودية في إنشاء الاتحاد الجمركي، وإزالة كافة الحواجز الفنية التي تعترض التجارة البينية وتطبيق الرسوم الجمركية الموحدة، وبناء المجمعات الصناعية المشتركة، وزيادة تدفق الاستثمارات بين البلدين؛ لاستغلال مزاياهما النسبية في الإنتاج لصالح المستهلكين في القارتين الأفريقية والآسيوية. وتصوروا لو أنشأت مصر والسعودية اتحاد الإقليم التجاري، ودعمته بالمصارف المالية المشتركة وشركات التأمين التعاوني المبتكرة، وألغت أساليب الحماية، واحتكمت لسياسات التصدير والتوسع الاختياري للواردات، ليصبح هذا الإقليم موطنا للشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات الدولية.
وتصوروا لو أنشأ البلدان الشقيقان منطقة للتجارة الحرة بين الجانبين، وتم من خلالها إلغاء الضرائب والرسوم، وتحرير السلع الرأسمالية والخامات والسلع الوسيطة ومدخلات الإنتاج السلع تامة الصنع، مع توفير المزايا التفضيلية بين البلدين وتعزيز التعاون في كافة المجالات التقنية والعلمية والمالية لتطوير القاعدة الإنتاجية وتوطين الوظائف وتدعيم قدرة الاقتصاد المصري السعودي المشترك على التنافس في الخارج بمشروعاته المشتركة.
وتصوروا لو استفادت مصر والسعودية من المادة الرابعة الواردة في ميثاق الجامعة العربية، التي اختصت بوضع قواعد التعاون في النواحي الاقتصادية والمالية، وتحديد أوجه الأنشطة اللازمة لتسهيل مسيرة التبادل التجاري، وإزالة ما يعوقها مع إعطاء ميزة خاصة للتبادل التجاري إزاء العالم الخارجي كخطوة أولى لتعزيز وتنمية الروابط، وتبادل الإنتاج الزراعي والحيواني والصناعي، ومنح المعاملة التفضيلية للمنتجات المصرية السعودية. وتصوروا لو استفاد البلدان من اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية، التي أقرها المجلس الاقتصادي التابع للجامعة العربية بقراره رقم 85 وتاريخ 3/ 6/ 1957، بهدف تحرير التجارة بين البلدين كخطوة أولى نحو تحقيق السوق المشتركة.
وتصوروا لو قامت مصر والسعودية فيما بينهما بتوحيد كافة اتفاقات التجارة العالمية الخاصة بقواعد المنشأ، وتشجيع وضمان الاستثمار وحماية حقوق الملكية الفكرية، وتنسيق النظم والتشريعات والسياسات الاستثمارية والتعاون الفني فى مجال التدريب المهني، وتنظيم استغلال المياه الإقليمية في مجال الصيد البحري، وفض المنازعات التجارية والتعاون بين مراكز تنمية الصادرات، وإنشاء مجالس رجال أعمال مشتركة.
تنظيم البيت السعودي المصري لا يحتاج لعصا سحرية أو نظريات معقدة أو دراسات مستفيضة، فالترابط الوثيق بين البلدين الشقيقين وتقارب طموحات شعبيهما تعدّ من أفضل العناصر اللازمة لتوثيق علاقتهما وتنميتها لصالح المنطقة العربية.