مخطئ من يعتقد أن نسبة الاستماع إلى الإذاعة محدودة، فمعظم هؤلاء القابعين أوقاتا طويلة في سياراتهم أثناء ساعات الذروة، يمتطون صهوات الزحام ويتابعون موجات "الاف إم"، باعتبارها الخيار الأمثل المتاح، فهي على الأقل أكثر سلامة من الحديث عبر الهاتف الجوال والدردشة النصيّة.

المؤسف أن الكثير من هذه الإذاعات لا تدرك مدى أهميتها لهؤلاء الذين يتضورون ضجرا على الإسفلت، فتبث لهم ما يرميهم من حافة الملل إلى هاوية "القرف"! لا أدري كيف يفهم هؤلاء "التسلية"؟ أكل حديث بين زميلين هو حديث إذاعي يمتع سامعه بغض النظر عن مضمون هذا الحوار؟ هذا ما يحدث؛ مجرد حديث بين اثنين حتى هما لا يعرفان إلى ماذا يقود، وكيف بدأ، أيظنون أن هذه هي البساطة التي تصل إلى قلوب المستمعين بلا استئذان، دون إدراك أن فن البساطة هو أعقد الفنون، والارتجال هو أكثر الأعمال التي تحتاج إلى إعداد.

أعلم أن في هذه القنوات شبابا وشابات يمكن أن يكونوا في غاية الروعة لو لم ينزلوهم إلى الميدان على طريقة "شدو حيلكم"، وأعلم أن من بين هذه الإذاعات ما يمكن أن ينفرد بكل ركّاب هذه السيارات، وتطرق حتى أبواب البيوت – فقط - لو عملت بجهد أكبر على عمليات "ما قبل الإنتاج"، لو قالت لا للمسابقات الغبية، والأسئلة السطحية، والـ"ميكسات" المزعجة، والأغاني الأكثر هبوطا، لو وقفت مع نفسها للحظة وقالت: إن أي مستمع حتى ذي السنوات السبع أكثر ذكاء من هذا! إننا نخاطب جيلا يتعامل مع أحدث التقنيات.. يتفاعل مع العالم، فلنحترم ذكاءه.