لن أتردد مطلقاً في طرح السؤال المحظور: هل كان للعرب عبر التاريخ الطويل دور في المنجز المادي الإنساني؟ وهل لهم من إسهام صريح واضح في البنية الحضرية (لا الحضارية) الكونية، لأن هناك فارقا في مدلول ما بين القوس وما قبله؟ أنا أكره تزييف الوعي الجمعي مثلما أنا أحذر على الدوام من تضخيم وتهويل إضبارة التاريخ، لأن أوراق التاريخ التي تبنى على (النوستالجيا) والزيف تتحول مع الزمن إلى عامل تخدير خطير يقتل أي حاضر أو مستقبل بالاتكاء على أساطير الماضي. الأمة التي لا تناقش (قواعدها) بالمكاشفة والشفافية لن تصل إلى شمس الغد، ولهذا ظل العرب اليوم على هامش الأمم لأنها رقاب تلتفت إلى (أمس) مزيف، وخادع للوعي.
ما الذي يدفعني اليوم إلى تكرار السؤال في رأس المقالة؟ هو بالضبط، حديث (الأندلس) الذي شهد، وحده، أعظم حالة تزييف لدور العرب في الحضارة الكونية حين استطاعت كذبة أوراق التاريخ أن تقنع أبناء يعرب أنهم من قدح شرارة البناء الأوروبي في لحظة حاسمة من تاريخ الحقبة الحديثة من البناء المادي الإنساني.
كنت ما قبل البارحة في جلسة نخبوية مغلقة عندما طرح سؤال الأندلس. اكتشفت أنه حتى النخب تظن أن العرب من بنى وشيد، بينما تقول الحقائق إن دورهم (الأندلسي) كان مجرد حكام قصور، بينما يقول التاريخ الذي لا يريد أحد أن يقرأه أن الأندلس بألقها وقصورها وكل مظاهر حضارتها كانت بناء من مزيج (القوط والمورز والأمازيغ)، لب إشكال العقل العربي مع حقائق تاريخه أنه يخلط ما بين الديني وما بين المنجز المادي البشري، ولهذا تصبح (مواجهة) التاريخ معركة مقدسة، وتصبح مناقشة فصوله وأحداثه ضرباً من الصراع مع البنية الدينية، ولعله لهذا يتراجع المحقق المنصف عن خوض المعركة خوفاً من ردة الفعل. أصحاب صحاح الأحاديث لم يكونوا عرباً، ومن بنى قواعد إعراب لغة العرب لم يكن أيضاً كذلك.... غداً نكمل.