في حفل (جائزة البردة) الذي نظمته وبكل اقتدار وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع بدولة الإمارات العربية المتحدة، مساء الاثنين الماضي، في إطار الاحتفال السنوي بالذكرى العطرة للمولد النبوي الشريف، وقف أستاذنا فضيلة العلامة الشيخ عبدالله بن بية على المنصة الأساسية، وتسلسلت الكلمات أمامه ـ نفع الله بعلومه ـ وهو يُذكر الحضور بأهمية تعزيز الحب بين الناس، وأنه سبيلهم الوحيد للعيش في سلام ووئام، وكان من ضمن حديثه العذب إلقاؤه لأبيات من نظم الشاعر المسيحي رشيد سليم الخوري ذكر فيها قيمة وقامة نبي الإسلام ـ صلى الله عليه وسلم ـ.. الإلقاء المعبر للأبيات من الشيخ الجليل حركت في النفس البحث عن هذا المسيحي النبيل الذي عرف عظمة حبيبنا؛ فأسعفني المسعف بمعجم البابطين لشعراء العربية في القرنين الأخيرين، ذلك العمل الموسوعي الذي قدمته مشكورة مؤسسة جائزة عبدالعزيز بن سعود البابطين، وجمعت بين دفتيه مادة ثرية تختص بالشعراء، مع ملف خاص وسيرة ذاتية لكل شاعر، بالإضافة إلى مقتطفات من قصائده.. المعجم ترجم لشاعرنا البديع: أنه ولد في قرية البربارة (لبنان)، وفي مسقط رأسه كان مثوى جسده، قبل ثلاثين عاما، بعد عمر شارف القرن من الزمان، طوف فيه بين أقطار وآثار، وأبدع من الدواوين وجماليات التشكيل والتكوين ما يستحق الرواية والتدوين. تلقى تعليمه المبكر في قريته، ثم انتقل إلى مدرسة الفنون في صيدا، ثم في سوق الغرب، ودرس في الجامعة الأميركية في بيروت. اشتغل بالتدريس سبع سنوات في لبنان، تنقل فيها بين عدة مدن، وعرف من اللغات العربية والإنجليزية، وفي مهجره بالبرازيل عرف اللغة البرتغالية، وحين وصل إلى مهجره اشتغل بائعًا جائلاً، ثم مارس التدريس لأبناء المهاجرين - في ريو دي جانيرو - بمدرسة جمعية (زهرة الإحسان)، واستمر مدرسًا بعد انتقاله إلى (سان باولو)، ثم ترك التدريس وعاد إلى التجارة مُعتمَدًا لبعض التوكيلات، وهناك لمع نجمه شاعرًا، وعُرف في الأوساط الصحفية والاجتماعية والأدبية. كان من مؤسسي (العصبة الأندلسية) إحدى حلقات الأدب في المهجر، وترأسها في مرحلة من مراحل ازدهارها، وقد صدرت لشاعرنا ثلاثة دواوين: الرشيديات، والقرويات، والأعاصير.. (الشاعر القروي) وهذا لقبه الذي نعته به قسطنطين حداد بطريقة الانتقاد له، ولكنه أعجبه فصار يعبر به عن نفسه ـ وأطلق على أخيه قيصر (الشاعر المدني) ـ أجاد القول في الحنين إلى الوطن، وفي الشعر الحماسي، والخواطر الحكيمة، ومما وصف به نفسه في قصيدته عن (عيد الفطر) أنه الهائم بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم -، وأنه يستلهم منه القيم المحمدية في الصلابة والمواساة. وله قصيدة ثانية يصف فيها (نور النبوة المحمدية) يقول فيها:
"نور النبوة فاض من
مهد المروءة والكرم
يطغى به موج الضياء
من البطاح على القمم
وتدفقت تلك الجحافل
كالخضم على خضم
زحفت مبكرة فذكر
الله يملأ كل فــم"
كما له تلك القصيدة الرائعة (عيد البرية) ـ سبب هذا المقال ـ والتي يقول فيها:
"يا فاتح الأرض ميداناً لدولته
صارت بلادُك ميدانا لكل قوي..
يا قوم هذا مسيحيٌ يُذكركم
لا يُنهض الشرقَ إلا حبُّنا الأخوي
فإن ذكرتم رسول الله تكرمةً
فبلغوه سلام الشاعر القروي"..
(قلت) الأبيات تشرح نفسها بنفسها، ولمن يصر على الشرح أطلب منه أن يتفضل بتكرار قراءة البيتين الأخيرين، ولمرتين، لا أقل.