إيران لا تتميز بقوة اقتصادية أو معرفية، ولا تمتلك أي تقنيات متطورة، كما أنها تتمتع ببيئة استثمار رديئة للغاية، لديها اقتصاد مدمّر بفعل العقوبات، وتركيز الدولة على التسلح، وتوسيع النفوذ دون مراعاة الجوانب الأخرى، كما أن مستوى دخل الفرد سيئ للغاية أيضا، ويوجد لديها حالة عدم استقرار داخلي، ولكن ومع كل هذه الحقائق إلا أن إيران تحقق تقدما في عدة أصعدة!

يتساءل الكثير؛ كيف لدولة هذه حالتها أن تصمد بل وتحقق تقدما سياسيا في جوانب كثيرة؟ في هذا المقال؛ أحاول تلمّس عدد من الجوانب التي تركز عليها إيران، ومن خلالها تمكنت من تحقيق عدد من النتائج التي تراها إيجابية.

أولا: أود أن أعرض عددا من النتائج التي يعدها الكثير أنها إيجابية وتحققت لصالح إيران على الصعيد الدولي، فإيران أصبح نفوذها في العراق هو الأول حتى قبل النفوذ الأميركي الذي قاد الجيوش وصرف أموالا ضخمة لأجل احتلال البلد، كما أنها صاحبة النفوذ الأقوى في سورية ولبنان، ولها نفوذ كبير في عدد من البلاد الأخرى، وهو يتوسع تدريجيا خلال السنوات الماضية، كل ذلك تحقق بالرغم من كونها على القائمة السوداء لدى أغلب الدول الغربية وأهمها أميركا!

إيران لا تمتلك أي أسلحة متطورة أو تقنية حديثة، بل كل أسلحتها حتى الآن هي أسلحة تقليدية وقديمة، وعليها الكثير من العقوبات الدولية التي تعرقل مشاريعها. إذاً؛ ما سلاح إيران؟ إنه الاستخدام والتطويع للفكر الديني السياسي المطوّر ليوافق المرحلة ويخدم تطلعاتها، فهي تعمل على نشر الفكر الديني الذي يتبناه المرشد لأجل تطويع الشعب الإيراني أولا، ولأجل التطويع اللاإرادي للأتباع في الخارج؛ ليكونوا جنودا أوفياء لإشارة آيات قم وطهران!

حتى في الميدان العسكري؛ فإن إيران استخدمت الفكر التقليدي والعنصر البشري، ولكن بشكل مطوّر جعلوه يتمكن من مقاومة التقنية الحديثة! فلجؤوا لنظريات عسكرية تقليدية مطوّرة جعلت الكثير من التقنيات الحديثة عاجزة عن اختراق تحصيناتهم العسكرية. مثلا في جنوب لبنان وغيرها، لجؤوا إلى تكتيك الأنفاق لتعطيل التفوق الجوي الإسرائيلي، كما لجؤوا إلى تشكيل الميليشيات والعصابات التي لا تستقر في مكان محدد، بالتالي يصعب القضاء عليهم.

لا شك أن سرّ تفوّق إيران هو في تحايلها على القانون الدولي! بل في خرقها له! فلا يمكن لها أن تحصل على التقنية النووية التي هم على وشك الحصول عليها إلا باختراقهم للقانون الدولي، وللأسف، إن أميركا في سياسيتها الحالية ستكافئ إيران على هذا، وبالتأكيد سيتشجع الكثير من الدول الإقليمية والدولية لانتهاج نفس النهج!

لم يكن لإيران أن تحصل على نفس النفوذ في العراق إلا بالتدخل الصارخ هناك من خلال الميليشيات المسلحة والاغتيالات والتفجيرات، ولم يكن لها موطئ قدم في لبنان، لولا تسليحها وتبنيها لحزب الله هناك، ولم يكن لها مخالب الثعالب في بلاد كثيرة لولا تدخلها في سيادة تلك البلاد وتبنيها لميليشيات وأحزاب في انتهاك صارخ لكل قواعد القانون الدولي!

استغلت إيران فترة الاندفاع الأميركي بعد 11 سبتمبر، واستفادت منه كثيرا في مد نفوذها في أفغانستان والعراق، إضافة إلى استفادتها من عامل الوقت لأجل تنمية قدراتها العسكرية والنووية حتى الآن. كما إنها استغلت فترة ما يسمى بالربيع العربي لأجل زعزعة استقرار عدد من البلاد لأجل أن تبقى هي بعيدة عن الأعين، ولأجل مد نفوذها أيضا.

هذا النهج الذي تسير عليه إيران، يعدّ مخاطرة كبيرة، إلا أنه فيما يبدو يلقى ترحيبا من أطراف دولية ترغب في إيجاد شعلة في المنطقة لتستفيد منها، ويبدو أن إيران تفهم هذا الدور جيدا واستمرأت اللعب بالنار، ولا ندري إلى أين ستصل الأمور؟

إيران لا تبدي أي خطوة نحو تصالح حقيقي مع محيطها العربي، فهي تسير وفق فكر ديني متشدد لا يقبل إلا تطويع كل من تستطيع تطويعه لصالح الولي الفقيه، الذي هو بدوره نائب للمعصوم، وهي فكرة مطورة للنظرية البابوية عصر الظلام الأوروبي بحكم الفرد نيابة عن الله! بل إنها تقف حجر عثرة أمام كل محاولة تآلف واجتماع بين أبناء الوطن الواحد على اختلاف أطيافهم، وذلك لأجل تتفرد هي بالكعكة وليذهب الآخرون إلى الجحيم!

عند تحليل هذا الواقع من خلال القواعد العلمية والسياسية؛ لا يمكن مواجهة الفكر السياسي الإيراني، إلا من خلال إيجاد فكر مضاد يمتلك مقومات فكرية أقوى وأكثر منه تماسكا، وبالنظر إلى الساحة الفكرية العربية؛ فلا أعتقد أنه يوجد أي فكر ناضج ومتكامل يمكنه من بناء رؤية سياسية وفكرية في نفس الوقت وقابلة للنجاح. ولذلك؛ فإن تدخل الدول في البحث والدراسة "الحُرّة" أمر مُلحّ وعاجل، وبنظري أن تطوير الرؤية الدينية السلفية خاصة في الجانب الديني والاجتماعي لمواجهة الفكر الإيراني، هي ضرورة سياسية وليست خيارا لدول المنطقة.

نعم تحتاج تلك الرؤية إلى الكثير من النقد والتصحيح خاصة في الجانب السياسي؛ إلا أنه لا يوجد فكر قابل للمقاومة سواه حاليا، كما أنه يمكن من خلاله بناء جدار داخلي صلب يمنع الأعداء تجاوزه.

هناك خيط رفيع قد يدفع إيران إلى المزيد من التهوّر والاندفاع الأهوج ضد دول المنطقة، أو قد يُجبرها إلى انكفائها وتراجعها وربما يؤدي إلى تغيير وهزيمة داخلية، هذا الخيط هو انتصار أو هزيمة الطموح الإيراني في احتلال سورية، فمعركة سورية في الحقيقة هي معركة كسر العظم والمفصل، التي يجب أن يتحد كل العرب ضد الطموح الفارسي الغاشم هناك! أما الشعب السوري فلا عزاء له مع الضمير العالمي الميت منذ ثلاث سنوات وللأسف!