"أستاء عندما تكون كرة القدم هي محور كل موضوع.. أعطوا مجالا للألعاب الأخرى.. هؤلاء أبطالنا وحققوا بطولات "جابوا لنا كأس عالم".. هؤلاء حققوا بطولات إسلامية وآسيوية وخليجية (يعني ذوي الاحتياجات الخاصة) واليوم يومهم.. أرجوكم يا جمهور اهتموا بأبنائكم.. أنتم طالبوا فالإعلام سيتبع ما يطلبه الجمهور".

بمرارة شديد، كانت هذه الكلمات للرئيس العام للرئاسة العامة لرعاية الشباب الأمير نواف بن فيصل رداً على أحد الصحفيين عندما سأله عن اللجنة التي كُوِنت لمناقشة أوضاع نادي الاتحاد، وذلك بعد رعايته يوم الخميس الماضي الموافق 24 صفر 1435 لماراثون ملتقى الرواد الثالث الذي تقيمه الجمعية السعودية للمعاقين بالتعاون مع الاتحاد السعودي لذوي الاحتياجات الخاصة الذي استضافته جامعة الملك سعود بالرياض، وشارك فيه حوالي 200 متسابق من أصحاب الإعاقات البصرية والسمعية والذهنية والحركية.

وهذه ليست المرة الأولى التي يعرب فيها الأمير نواف عن أسفه ومطالبته الإعلاميين بالتركيز على الألعاب الأخرى وإعطائها حقها بالتغطيات والرعاية الإعلامية لتحفيز لاعبيها وتشجيعهم ودعمهم نفسياً لتطوير مهاراتهم وتحقيق البطولات، فقبل حوالي شهر تقريبا سأله صحفي عن احتفال ملعب الملك عبدالله لكرة القدم أثناء رعايته لمناسبة خاصة بتطوير الألعاب المائية حيث يتواجد اللاعبون والإداريون والفنيون ومعرض مصغر لخطة التطوير ومخرجاتها حيث طالب سموه أيضاً بالتركيز على السؤال عن المناسبة قائلاً "لا تشغلوني بكرة القدم واسألوا أحمد عيد".

من الواضح مما يصرح به الأمير نواف بن فيصل رغبته وتوجهه الاستراتيجي طويل المدى للتركيز على مهمة الرئاسة برعاية الشباب السعودي صحياً وتربوياً ونفسياً وأمنياً واقتصادياً باستثمار الألعاب الرياضية واتحاداتها لتمكينهم من استثمار أوقات فراغهم بممارسة لعبة رياضية أو أكثر بما يتناسب وأعمارهم وهواياتهم وقدراتهم ومهاراتهم بما يعود عليهم بالفائدة ويحميهم من مخاطر أوقات الفراغ، ومن مخاطر تجار ومروجي المخدرات والمسكرات وحتى السجاير ويحميهم من العادات الحياتية والغذائية السيئة التي تؤثر سلباً على صحتهم ونفسيتهم ونشاطهم وإنتاجيتهم.

ويبدو لي ذلك من تصريح سموه لصحيفة الجزيرة أنه "بصدد دعوة كافة الجهات المعنية بالألعاب الرياضية إلى تكوين منظومة عمل وفق منظور استراتيجي لتطوير كافة الألعاب"، وقوله أيضاً "إن تطوير كافة الألعاب الرياضية في بلادنا يتطلب حراكا مشابها في الدول المتقدمة وتضافر وتكامل الاستثمارات الحكومية والخاصة للمساهمة الفاعلة والكبيرة في رعاية الشباب بتمكينهم من استثمار أوقاتهم الحرة بما هو مفيد ونافع صحياً وتربوياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً كغاية ذات أولوية خصوصاً في بلادنا التي تصنف كمجتمع شبابي".

ومن الواضح أن الأمير نواف يطرح فلسفة جديدة للوصول إلى المنصات، وهي الانطلاق من رعاية الشباب كأساس يحقق بشكل تلقائي ومستدام توليد المواهب التي يمكن الدفع بها إلى منصات التتويج، وذلك بقوله "إن الأبطال الذين يصلون إلى منصات التتويج في كل الدول غالباً ما يكونون من مخرجات المدارس وملاعب البلديات والقطاعات العسكرية وغيرها، وإنهم ليسوا صناعة اتحادات رياضية، وإنما صناعة مجتمع متكامل بكافة هيئاته المعنية، وإن دور الاتحادات ينحصر في تنشيط الألعاب بتنظيم البطولات المحلية واكتشاف المواهب واستقطابها ورفع مهاراتها من خلال برامج التميز الرياضي والمعسكرات المحلية والدولية والمشاركة في البطولات الدولية".

حسب علمي أن الإعلام ماكينة هائلة وقوية قادرة على تهيئة البيئة لدعم مثل هذه التوجهات أو إعاقتها أو تركها دون دعم بتاتاً، وأظن أن هذا السبب هو الذي يجعل الأمير نواف بن فيصل يستاء من إعلامنا الرياضي الذي يركز على كرة القدم ولا يمد له يد العون لتنفيذ توجهاته الاستراتيجية لتحفيز وتطوير الألعاب الأخرى من خلال قدرة الإعلام على صناعة بيئة ملائمة ومحفزة تدفع بكافة الجهات المعنية بمنظومة رعاية الشباب كوزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي ومراكز البلديات والمراكز الرياضية الأهلية والأقسام الرياضية في القطاعات العسكرية والهيئات والمؤسسات الأخرى للنهوض بمهامها والتكامل مع الرئاسة لتحقيق رؤيتها الاستراتيجية كما تدفع بالشباب إلى الانخراط في الألعاب الرياضية الأخرى غير كرة القدم والتي يمكن أن تحقق لهم البروز والشهرة، وكلنا يعلم أثر الإعلام في صناعة النجوم وتحفيز محبيهم للاقتداء بهم.

المشكلة كما تبدو لي، أن المراسلين الذين يحضرون المناسبات الرياضية يدركون أن رؤساء الأقسام الرياضية يريدون خبرا أو تصريحا يخص كرة القدم لجماهيريتها، ولذلك يقفزون على المناسبة ويتوجهون للسؤال عن كرة القدم وأحوالها ومشاكلها، ورؤساء الأقسام الرياضية كما يبدو لي يتبعون الجماهير وما تحب ولا بأس في ذلك، ولكن المشكلة أن تترك كافة الألعاب الأخرى للفائض من المساحات المخصصة للرياضة بعد تعبئتها بأحداث مباريات كرة القدم وتفاعلاتها، فهذا هو الظلم والإخفاق بعينهما، لأن الصحف هنا تخلت عن دورها في صناعة الجماهيرية بالتزامن مع مراعاة توجهات الجماهير، بمعنى أن صحفنا بل وفضائياتنا تخلت عن الدور التطويري وأصبحت صحافة شباك وهنا مكمن الخطورة.

أعتقد أنه حان الوقت لأن يلتقي الأمير نواف بن فيصل برؤساء الأقسام الرياضية بكافة الوسائل الإعلامية من صحف ومجلات ورقية وإلكترونية ومحطات فضائية، ليطلعهم على التوجهات الاستراتيجية للرئاسة في رعاية الشباب من خلال تطوير كافة الألعاب وتوفير منشآتها في الأحياء والأندية والمراكز والمدارس والجامعات وتوفير أحدث مناهجها التعليمية والتدريبية وتوفير أفضل المدربين والتفاهم معهم لتطوير سياسة إعلامية ذات بعد بنيوي تساهم في رعاية الملايين من شبابنا والدفع بالموهوبين منهم إلى منصات التتويج بكافة الألعاب بالإضافة إلى كرة القدم.