على بركة الله، عاد ابني وابنك إلى مقاعد الدراسة، ككل عام سنودّعهم عند باب المنزل كل صباح، ثم نُودِعهم مبنى المدرسة ومعهم نُودِع زاهي أحلامنا ونعقد عليهم أصدق أمنياتنا بمستقبل جميل مشرق، يكونون فيه فرسان سبقٍ في مضمار التنمية والازدهار لهذا الوطن العزيز، سلاحهم دينٌ وعلمٌ وحُبُّ وطن، لا شك بأننا حرصنا على تفصيل ثوب له و"مريول" لها تماما كما نسجنا لهم ومعهم في مواقع المستقبل ومهن الغد أجمل رداء، اقتنينا لهم حقيبة جميلة تحمل رمزاً محبباً إليهم مع توفير أجود المستلزمات المدرسية، أرجو أن نكون قد وفقنا أيضاً في أداء دورنا من حيث التهيئة النفسية الجيدة وخلق البيئة الإيجابية والمناخ المحفز داخل المنزل وضبط الساعة البيولوجية التي أعطبها نوم النهار وسهر الليل خلال أشهر الصيف، بعد كل ذلك، هل توجهنا بسؤال "أحسبه مشروعاً" إلى الطرف الآخر من المعادلة؟ السؤال موجهٌ بشكل خاص إلى الشريحة الأكثر ملامسة لأبنائنا والتصاقاً بهم وأعني المعلمين والمعلمات، وأخص منهم أولئك الذين ينشرون مشاعرهم القاتمة عبر "واتساب" و"بلاك بيري منسجر" وبقية قنوات التواصل الاجتماعي حول تذمر بعضهم و"استثقاله" العودة إلى "الدوام"، وأحلام بعضهم الآخر بماذا لو تم "تمطيط" الإجازة أكثر قليلاً؟ وسخرية بعضهم "اللطيفة" خلال الأيام القليلة الماضية من بقية شرائح الموظفين الذين باشروا أعمالهم في السابع من شوال! أتمنى حقاً ألا ينعكس كل ذلك على أدائهم مع أبنائنا وبناتنا في الحصة الأولى من العام الدراسي الجديد، فاقد الشيء لا يعطيه، ومتى انعدمت الجدية والدافعية لدى المعلم والمعلمة فمن باب أولى أن ينعكس ذلك مباشرة على أداء طلبتهم، لا يمكن – والحالة هذه – أن تسير العمليتان التربوية والتعلمية على أكمل وجه إذا كان الممارسون لها بهذا القدر من السلبية والخمول والكسل والجنوح إلى الدعة والراحة، ليس ذلك فحسب، بل يلزمنا كذلك أن نوجه رسالة واضحة يدركُ من خلالها المعلمون والمعلمات حجم التغيير الذي طرأَ على أبنائنا وبناتنا خلال الأعوام القليلة الماضية، عليهم أن يعوا بأن ابني وابنك يذهبون اليوم إلى حجرة الدراسة تاركين وراء ظهورهم ما وفرناه لهم من أجهزة رقمية لوحية وكفية وساعات وهواتف ذكية! فإذا ما أضفنا إلى كل ذلك ما يشاهده الأبناء من مواد وبرامج تلفزيونية وأفلام كرتونية وألعاب إلكترونية تحاكي عقولهم بل قد تجنح للخيال في كثير من الأحيان، فإنهم في المحصلة النهائية يرغبون في رؤية شيء مميز ومختلف داخل فصولهم ومعاملهم الدراسية وأنشطتهم المنهجية، اختلافٌ إيجابي من شأنه أن يجذبهم نحو اكتساب كل مفيد في قالب فريد، دعونا نقل للمعلمين والمعلمات وبصوت واحد، إن عليكم أن تكونوا الأكثر ذكاء "قدر المستطاع" في جذب انتباه أبنائنا وبناتنا واحتوائهم في أجواء عام دراسي جديد، أعتقد أنه من حقنا على من سيقضي معهم فلذات أكبادنا ساعات نهارهم أن نكون أكثر صراحة وصدقاً حين نقول إننا لا نريد أن يضيع أبناؤنا أوقاتهم بين جدران أسمنتية وعبارات إنشائية ومناخ تعليمي رتيب! من حقنا أن نطالبهم بل نرجوهم ألا ينتظروا زيارة المشرف التربوي لكي "يتلحلحوا" وينفضوا غبار الصيف عن الوسائل والأدوات التعليمية المركونة في المستودع الخلفي! لا شك أنكم تشاركونني معاشر الآباء والأمهات رغبتي الملحة في أن يتحرر المعلمون والمعلمات من عقدة "كراس التحضير"، ذلك الكراس "المحنط" الذي ما فتئ بعض المعلمين والمعلمات يعيدون طباعة وريقاته المقننة الجاهزة في كل عام مكتفين بتغيير تاريخ اليوم ورقم الحصة!

إنني أعلم بأن لدينا - معاشر الآباء والأمهات - الكثير مما نريد أن نبوح به لحاملي أمانة التربية والتعليم على عواتقهم مما لا تكفي المساحة لسرده، جلّنا قد لا يهتم كثيراً بفحوى القرارات ومضامين التعاميم باختلاف أرقامهما وتواريخها، ما يهمنا في الدرجة الأولى هو أن يعود ابني وابنك كل مساء وقد لمسنا فيهم تغييراً حقيقياً نحو الأفضل سلوكاً ومعرفة ومهارة وإدراكاً، نحن نريد أن نطبع القبلة على جبين أبنائنا وبناتنا كل صباح بضمائر مطمئنة بأنهم سيكونون في أيدٍ أمينة تؤدي واجبها على الوجه الأكمل والأمثل، أليس ذلك من أبسط حقوقنا؟ بل من أبسط حقوق أبنائنا علينا؟ أوليس المعلمون والمعلمات جديرين بالإجابة على تساؤلاتنا عملياً في الميدان؟