قد يختلف الناس حول شخصية صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل وزير التربية والتعليم؛ ولكن لا يدخل ضمن هذا الاختلاف حول شخصه كونه إداريا ناجحا وتنفيذيا ناجزا. الشخصية العملية التاريخية هي من يختلف حولها الناس؛ أما الشخصية الباهتة غير واضحة المعالم، فهي الشخصية التي لا يختلف حولها اثنان. ومن الطبيعي والمعروف أن أي تغيير وحتى التغيير للأفضل؛ ينهي وجود وضع قائم متكلس تقتات عليه فئات من الطحالب الطفيلية وتتوارثه صاغرا عن صاغر؛ وبالطبع يقفون سدا منيعا في وجه كل من يسعى لتغييره ويناصبونه الكره والعداء. وخالد الفيصل هو فارس التغيير، بلا منازع، أينما حل وأينما رحل أو صهل له خيل فيه أو ترجل.
كنت أسمع عن الرجل المناسب في المكان المناسب؛ ولكن عندما أصبح الأمير خالد الفيصل وزيرا للتربية والتعليم، رأيت بأم عيني الرجل المناسب في المكان المناسب. التربية والتعليم أيها الفنان المبدع والشاعر الملهم والفارس المنجز؛ هما ميدانك المفضل، حيث تحتاج لفيصل فارس وخلود حارس. فكما كنت تحرس وترقص قلوبنا بشعرك الجزيل وفنك الأصيل؛ ها نحن نسلمك عقولنا، كما سلمناك وبفخر قلوبنا.
التربية والتعليم يا سيدي الكريم، هما مفتاح الوعي السليم بكل ما هو قائم ويدور حولنا وهما المحرك لقدرتنا على التفكير السليم، وفي النهاية هما الدافع لنا على التصرف السليم. إذاً فسلامتنا وسلامة وطننا وأجيالنا القادمة، تكمن في التربية والتعليم السليمين. كل حضارة وتمدن هما نتاج تعليم وتربية متحضرة ومتمدنة؛ وكل تخلف وهمجية هما نتاج تربية وتعليم متخلف وهمجي.
مفتاح فهم الشيء هو القدرة على القبض على روحه التي تحركه لا جسده الذي يشكله؛ أي هو القدرة على فهم فلسفة الشيء لا تطبيقاته. تطبيقات الأشياء هي محصلة لفلسفتها وليست محصلة لمقدماتها؛ وتكمن الكارثة في الخلط وعدم الفرز الواعي بين فلسفة الأشياء وتطبيقاتها. وعندما تشاهد أي خلل في شيء ما، تعثر إصلاحه، فاعرف بأن هنالك خلطا في الفهم بين روح الشيء وتطبيقاته، أو فلنسمها هنا جسده المتحرك. أي بأن الخلل قد يكمن في الروح المحركة للجسد، ويتم تركيز الإصلاح على حركة الجسد واللف والدوران حولها، والتي هي، بطبيعة الأشياء، نتاج لروح الشيء ومقدماته.
وبسبب هذا الخلط العجيب وغير المبرر بين روح الشيء وجسده؛ تفشل لدينا عمليات الإصلاحات المطلوبة، ولو رصدنا لها مليارات الريالات. فعند القبض على روح الشيء وفهمه الفهم الواعي والصحيح وإدراك أبعاده وتشعباته؛ يمكننا رسم طريقة أو "خارطة طريق" للوصول من خلالها لما نصبو إليه بواسطة تطبيق آليات وأساليب مناسبة لإيصاله وبالطريقة الأوضح والأسهل والأسرع والأقل تكلفة.
كنت في مكتب رئيس قسم، لقسم تربوي في أحد جامعاتنا العريقة وبحضرة أساتذة كبار من القسم، صعقت عندما اكتشفت ومن خلال حوار دار بيني وبينهم، حول وضع مؤسسة تعليمية عسكرية لدينا، بأنهم لا يفرزون جيداً بين طريقة إيصال روح الشيء وجسده. وفي الحالة التربوية والتعليمية تسمى الطريقة بـ"النهج" والجسد بـ"المنهج". وبكل إحباط أخذت أشرح لهم - وأنا غير المتخصص في التربية والتعليم - الفرق بين النهج والمنهج. وأخبرتهم بأن ما حدث في المؤسسة التعليمية العسكرية محل النقاش هو خلط غير مبرر بين النهج والمنهج لدى القائمين عليها، حيث كانت المؤسسة تعاني من خلل في مناهجها وتم تغيير نهجها بدل تحسين مناهجها وهنا كمنت الكارثة؛ حيث تم تعطيل روح الجسد إن لم أقل تشويهه.
أي بأن التعليم، مثل أي شيء آخر في الحياة، يرتكز على ركيزتين تحركانه، لإيصال روحه والمتطلب منها، وهما في مجال التربية والتعليم "النهج" طريقة إيصال المتطلب من فلسفتها أو روحها، و"المنهج" آلية تطبيقات متطلبات فلسفتها أو روحها على الأرض التعليمية. وبما أن كلمتي نهج ومنهج متقاربتان في الكتابة والنطق في اللغة العربية، سهل الخلط بينهما. كلمة النهج في اللغة الإنجليزية هي "Method" والمنهج "Curreculum"، أي بأن هنالك فرقا واضحا بين كلمة نهج ومنهج في الكتابة والنطق في اللغة الإنجليزية؛ ولذلك صعب الخلط بينهما، كما هو حادث عندنا.
والذي حدث لدينا بالتحديد في التربية والتعليم من مشاكل وصلت لحد الكارثة الوطنية، لو لم يتم تداركها، هو عدم فهمنا الفهم الصحيح والدقيق لروح التربية والتعليم ومن ثم كيفية فرز ما نطلبه منها وعليه رسم النهج الصحيح لإيصاله لطلبتنا عن طريق مناهج صفية ولا صفية واضحة المعالم وسهلة التطبيق، وعليه سلاسة التلقي والفهم من قبل المستهدف بها وهم طلبتنا وطالباتنا. والكارثة أتت في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من القرن المنصرم، عندما تم تعيين - وبحسن نية - زمرة من جماعة الإخوان المسلمين مواقع مفصلية في وزارة المعارف آنذاك.
الإخوان المسلمون دون غيرهم من التنظيمات الحركية الدينية، وعوا مبكراً أهمية التربية والتعليم في تشكيل المجتمع وإيصال ما يريدون من خلاله؛ ولذلك حرصوا منذ البداية على الوجود - إن لم نقل السيطرة على وزارات التربية والتعليم - في أي مكان يوجدون فيه دون غيرها من الوزارات حتى السيادية منها. وقد أسسوا لهم مدارس خاصة منذ الأربعينيات من القرن المنصرم؛ كقاعدة للتدرب والوثوب منها لوزارات التربية والتعليم في العالم العربي؛ وحصل لهم ما أرادوا وخططوا له، في كثير من الدول العربية. وقد أشار إلى ذلك وبكل حسرة وألم، المغفور له صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز، عندما قال بأننا أمنا بعض من الإخوان المسلمين على التعليم لدينا وخانوا الأمانة.
ذكر لي أحد الزملاء وهو أكاديمي في معهد الإدارة، بأنه عندما تم الطلب من المعهد وضع دراسة علمية لتحسين الوضع الأدائي والإداري لوزارة التربية والتعليم؛ طلبوا من الوزارة وثيقة التعليم "نهج" وهي خارطة طريق التعليم، أي المطلوب من التعليم إنجازه أو تحصيله، حتى يتسنى لهم معرفة ما إن كان هنالك خلل في طريقة تطبيقها على الأرض التعليمية. فرفض المتمكنون في الوزارة حينها، إطلاعنا على الوثيقة؛ بحجة كونها سرا من أسرار الدولة. وذكر لي بأنهم عندما رفعوا الأمر لأحد المسؤولين الكبار في الدولة، والذي أوصى المعهد بوضع دراسة شاملة لأداء الوزارة؛ طلب المسؤول من الوزارة تسليم الفريق القائم على الدراسة من المعهد الوثيقة وبلا تردد.
ذكر لي الزميل بأنهم صعقوا عندما أطلعوا على الوثيقة والتي تتكون من صفحة ونصف، كون الوثيقة تمثل بيان "إخوان مسلمين" لا متطلبات دولة، اسمها المملكة العربية السعودية. حيث ذكر بأنهم لم يجدوا أي مفردة تشير للوطن أو المواطن أو الوطنية أو التنمية؛ وإنما وجدوا عبارات دينية إقصائية تتكرر في البيان، مثل عبارة "الولاء والبراء" التي تكررت أكثر من مرة.
ولهذا فليس بالمستغرب بأن الإخوان المسلمين يتباكون الآن على الديموقراطية؛ لتأكدهم بأنهم سيفوزون في الأغلبية لكونهم، هم من شكل عقليات وذهنيات الناس من خلال تسللهم لوزارات التربية والتعليم والقبض على مقاليدها وصياغة وثائقها ورسم نهجها وكتابة مناهجها، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.