سألتني صديقتي زهرة البريطانية عن رأيي في قضية عمر السعودي، الذي رُحّل إلى الصومال؟
بصراحة؛ هي أول مرة لا أستطيع فيها أن أقول رأيي؛ لما تحاط به القضية من غموض، لكن غموضها هذا، هو السبب الرئيس كي تأخذ القضية منحنى دراميا.
ولد عمر في المملكة العربية السعودية لأب سعودي الجنسية، أُخذت منهم أوراقهم الثبوتية عند بلوغ عمر سنا يتوجب عليه فيه أن يخرج من بطاقة العائلة، لتكون لديه بطاقته المستقلة، على أن يتم تصحيح خطأ في رقم البطاقة، وهو ما استغرق منهم 18 سنة، ولم يصحح بعد، رغم المحاولات الجادة من والد عمر، ومراجعات كثيرة أدت ـ في النهاية ـ إلى حصولهم على ورقة بها رقم الهوية الوطنية، وأن أوراقهم في وزارة الداخلية.
كانت هذه الورقة، هي التي درس وتوظف بها عمر، لكن لم تعد لها قيمة بعد حملة التصحيح، وذلك بسبب اختلاط الحابل بالنابل، ولذا تم حجز عمر في التوقيف لمدة 3 أشهر، لم تقبل خلالها كفالة أو شفاعة، إلى أن تم ترحيله كمتسلل أو مجهول!
هذه قصة عمر السعودي، الذي تم ترحيله للصومال كما قال، وكما عرف كل الناس.
أما زهرة، فهي فتاة عربية مسلمة، أتت إلى بريطانيا كطالبة واحتضنتها، فأصبحت مواطنة بريطانية من أب عربي غير مقيم في بريطانيا، ولذا فإنها لم تستطع أن تستوعب ما حدث لعمر، وكيف يتم ترحيله بهذه الطريقة؟ لم تصدق زهرة كيف أن عائلة عمر أمضت ثمانية عشر عاما من دون أن تصحح أوضاعها، سواء أكان ذلك بكونهم مواطنين سعوديين أو مقيمين، ولم تفهم زهرة أيضاً عدم قدرتي على أن يكون لي رأي في الحادثة والقضية وما سبقها وما تلاها، فأنا ـ ككل مواطن ـ مع التصحيح على الرغم من أن له ضحايا؛ فمن لا يعرف السعودية لا يتخيل حجم الدمار الذي حصل بسبب وجود العمال غير النظاميين، ويعرف أثر ترحيلهم أيضا؛ فهنالك محلات ومدارس أغلقت بأكملها، كانت قائمة على وجود مقيمين غير شرعيين، كما أن نسبة كبيرة منهم تسببت في فوضى طال أمدها وانعكست آثارها سلباً على المجتمع، وعلى الأمن، وعلى اقتصاد البلد، بل وعلى فرص أهل البلد في الاستثمار والارتزاق والعمل.
قصة عمر فتحت جدالا كثيرا عن الإهمال الإداري وتعطيل الأوراق، وعن "البيروقراطية، وعن تعليق أمور مهمة ومصيرية بالنسبة إلى الناس؛ لأن حياتهم وتعلمهم وعملهم مرتبط بها، وعن وضع مواليد السعودية الذين لا يعرفون غير السعودية بلدا لهم.
إن ما يحدث الآن درس لأصحاب "الفيز" الذين حولوا الاستقدام إلى تجارة، غير عابئين بالبلد وأهلها وشبابها وأمنها.
قانونيا، أصبحت هناك غرامات وسجن على من تثبت مخالفته لنظام الكفالة وعلى تجار "الفيزا" من أرباب العمل.
إنسانياً، نعم هناك حالات كثيرة موجعة مع الأسف، ولو انتظرنا تغيير نظام الكفالة، فلن يصحح شيء، ولذا يكون الخيار سياسة تغيير ما نستطيع تغييره، وإصلاح ما يمكن إصلاحه، بحيث يكون الوطن والمواطن ـ في الإطار العام ـ هما المستفيدان، وهي سياسة تحسب للملك عبدالله ـ أطال الله عمره ـ الذي يحاول أن يصلح ما أفسدته أخطاء غير مقصودة، أو غير محسوبة العواقب، وهو بهذه الطريقة يعطي المجتمع أدواته التي تمكنه من محاربة الفساد والظلم.
وأعود، فأقول: إنسانيا، أنا وكل صاحب قلب، متألمة للمظلومين، وغير راضية كغيري، عن أنظمة كثيرة ما أنزل الله بها من سلطان، وليس هناك أجمل من الانفتاح والتعددية، لكن ليس في ظل غياب تطبيق القانون، ورغم تعاطفي الدائم مع مواليد السعودية، الذين قضوا فيها جل حياتهم، ما زلت في نظر زهرة البريطانية غير منطقية!