لا يمكن وصف ما تناوله "الرأي العام" خلال الأيام القليلة الماضية عبر منصات التواصل الاجتماعي والإعلامي، حول قضيتي وفاة مريض السمنة ماجد الدوسري قبل نقله للخارج مع أخته رنا للعلاج بناء على توجيهات جهات عليا، ونزيلتي دار الرعاية الاجتماعية بتبوك، إلا بأنه تفاعل يعبر عن حجم الحدثين، أو فظاعتهما، على حد تعبير كثيرين في انتقادهم لأداء وزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية، المسؤولتين عن القضيتين وتداعياتهما. ووجه كثيرون سهام الاتهام إلى الوزارتين لتقصيرهما في عملهما، مطالبين بفتح تحقيق في كل قضية على حدة ومحاسبة المتسببين فيها.

استخفاف بالعقول

سخط الرأي العام لم يقف عند هذا الحد، بل إن بياني الوزارتين "زادا الطين بلة"، حسبما يراه المتفاعلون مع القضيتين، خاصة أن ما تضمناه من تبرير وإيضاح لم يجد أي قبول لدى العامة، ولم تنجح الوزارتان عبرهما في اختراق العقول لتمرير الأخطاء الفادحة، إذ عد البعض ـ ومنهم محامون وقانونيون ـ أن البيانين لم يحملا في طياتهما سوى محاولة الاستخفاف بالعقول والنأي بعيدا عن تحمل المسؤولية التي راح ضحيتها مريض السمنة ماجد الدوسري، فيما تنتظر شقيقته مصيرها مع المرض نفسه وسط مطالب من الرأي العام بعدم تكرار الخطأ من وزارة الصحة.

وعلى خط مواز لم تقف مداخلات المهتمين والناشطين حول مصير "فتاتي تبوك" اللتين حاولتا الهرب من جمعية الملك خالد الخيرية في ظروف غامضة كادت تشكل خطرا كبيرا على حياتهما، إذ ما زالت المطالب مستمرة لوزارة الشؤون الاجتماعية لإيضاح وضع النزيلات في الجمعية ومعرفة تفاصيل حياتهن، والأسباب التي دفعت اثنتين منهن إلى الهروب بطريقة خطرة عبر تسلق الجدران والسياجات الحديدية التي تحيط بالجمعية.

مصير المتضررين

وأثار بيانا الوزارتين اللذان صادف صدورهما معا يوم الخميس الماضي، ردود فعل قوية لم تقنع الرأي العام، بل طرحت تساؤلات حول ما ستتخذه الوزارتان عقب ذلك، ومصير المتضررين ومستقبل آداء الوزارتين في التعاطي مستقبلا مع الحالات المشابهة، إذ أفادت الصحة في بيانها أن سبب تأخير نقل ماجد ورنا إلى الخارج لتلقي العلاج؛ بسبب عدم توفر طائرة خاصة لنقلهم وتردي حالتهما الصحية، في حين أوضحت الاجتماعية في بيانها أن الفتاتين اللتين حاولتا الخروج من الجمعية أساءتا التصرف في طريقة خروجهما رغم عدم وجود مبرر لهذا التصرف من قبلهما.

فساد إداري

المستشار القانوني الدكتور إيهاب السليماني اتهم في حديث إلى"الوطن"، وزارة الصحة بالإهمال والفساد الإداري الذي أدى إلى وفاة مريض السمنة ماجد الدوسري، بسبب التأخير في نقله إلى خارج البلاد بعد أن صدرت أوامر بعلاجهما على وجه السرعة وتأجيل مواعيد المستشفى أكثر من مرة بسبب عدم توفر طائرة خاصة لنقله هو وشقيقته رنا.

وأوضح الدكتور السليماني أن الذي حدث مع "ماجد ورنا" مخالف للنظام، والذي نص على علاج أي مواطن على حساب الوزارة، لافتا إلى أن القصور يتمثل في الجهاز التنفيذي الذي لم يتفاعل مع الأمر الصادر.

وأوضح السليماني أنه من المفترض بموجب الأمر الصادر بمعالجة "ماجد ورنا"، أن يتم الإخلاء الطبي لهما على وجه السرعة دون الانتظار كل هذه الفترة بعد أن صدرت التعليمات بنقلهما إلى خارج المملكة، واصفا هذا التأخير بالإهمال والفساد الإداري الذي يجب الوقوف عنده ومحاسبة المتسببين.

وطالب السليماني بوضع حد لهذا الإهمال الذي لم يقف عند ماجد فقط، إذ كانت الطفلة ريهام الحكمي التي تم نقل إليها دم ملوث بالإيدز، إحدى الحالات التي لم تتم حتى الآن إعفاءات أو عقوبات بحق المتسببين بهذا الخطاء، داعيا الجهات المعنية بتشكيل لجنة علنية للتحقيق وتوضيح الأمر للرأي العام ومحاسبة المقصرين والمهملين في إنفاذ الأوامر وتأخيرها.

وحمل الدكتور السليماني وزير الصحة الدكتور عبدالله الربيعة، كامل المسؤولية في هذا الإهمال الذي أدى إلى وفاة ماجد الدوسري، والذي يعد رأس الهرم في الوزارة.

نتائج الإهمال

من جهته، أكد المستشار القانوني وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية الدكتور طلعت محمد نور عطار لـ"الوطن"، أن سبب محاولة هروب فتاتي تبوك من جمعية الرعاية الاجتماعية يعود إلى عدة نقاط، أبرزها سوء المعاملة، وعدم توفير بيئة صحية مناسبة للمعيشة، وعدم وجود أخصائية نفسية لدراسة حالة النزيلات، إضافة إلى عدم إخضاع موظفات الدور لدورات تأهيليـة بهذا الشأن.

وبين أن الذي حدث بجمعية الملك خالد قد يحدث في أي جمعية أخرى بسبب الإهمال الذي يجري داخل دور الرعاية، إضافة إلى أن الدور الاجتماعية ما زالت تستعين بموظفات من البيئة الوافدة بدلا من المواطنات اللاتي لهن الحق في ذلك، مؤكدا أنه لو تم توظيف الكفاءات الوطنية بدل الأجنبية، فإن ذلك أمر من شأنه الحد من نسبة البطالة لدى الفتيات اللاتي لم يجدن الفرصة حتى الآن لإثبات كفاءتهن في هذا المجال الذي يعد خصبا للسعوديات اللاتي يرغبن في العمل، ولكن لم يجدن الفرصة لذلك بسبب تفضيل الدور للموظفة الأجنبية بدل المواطنة.

وحمل الدكتور طلعت وزير الشؤون الاجتماعية الدكتور يوسف العثيمين ما حدث داخل الدور من إهمال، لافتا إلى أنه ليس مستغربا أن يحدث مثل تلك التصرفات من قبل النزيلات والتفكير بالانتحار، فالأمر متعلق بسوء المعاملة، وعدم توفير السبل المعيشية المريحة لهن، إضافة إلى أنه قد تكون هناك أسباب متعددة لم يستطعن تحملها بسبب غياب الإشراف والمتابعة لأوضاع النزيلات.

فتح الأبواب

وأكد طلعت أن دور الرعاية لا تسمح لأي كان بزيارة نزيلات الدور إلا بعد موافقة وزارة الشؤون الاجتماعية، مطالبا الجهات المختصة بفتح الأبواب للزيارات المفاجئة للاطمئنان على أوضاع النزيلات، وكشف كل ما قد يحدث هناك من تقصير وإهمال بحق الموجودات داخل الدور، لافتا إلى أنه مستعد للوقوف مع النزيلات في حال أردن رفع قضية بهذا الشأن والمرافعة لهن إن تطلب الأمر ذلك.

وفي السياق ذاته، أطلق بعض المغردين تغريدات على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، وقاموا بإنشاء هاشتاق بعد علمهم بوفاة ماجد بعنوان # وفاة_ماجد_الدوسري #وفاة_مريض_السمنة_ماجد_الدوسري، مطالبين محاسبة المفسدين الذين لم يراعوا حالتي مفرطي السمنة رنا وماجد، ولم يتم نقلهم إلى خارج البلاد بحجة أن حالتهم المرضية لا تسمح بذلك.