في مايو الماضي جاءتني رسالة من الدكتور غازي القصيبي رحمه الله مكتوب عليها "مكتب الوزير شخصي" بعد يومين من كتابتي مقالاً تحت عنوان "السعودي والألف ريال".

قلقت كثيراً قبل فتحها لأني توقعت كما هو معتاد ومعروف أن أجد تهديدا ووعيدا من الوزير لأن غالبية الوزراء والمسؤولين لدينا لا ينظرون إلى الصحفيين المغمورين والبسطاء من أمثالي إلا بعين السخط او الازدراء.

وبعد أن فتحتها وجدت فيها بخط يده ما يلي: "أخي الكريم الأستاذ وائل مهدي حفظه الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، قرأت بعناية مقالك القيم "السعودي والألف ريال" - ورغم أن ما جاء فيه حقيقة من حقائق الاقتصاد المعروفة إلا أن الكثيرين في الإعلام للأسف يجهلونها أو يتجاهلونها ويلجأون إلى المزايدة وإلى مطالبات غير واقعية لا تساعد الشاب السعودي الذي يحتاج إلى نصح واقعي قائم على أسس واقعية. سبق لي معالجة هذا الموضوع وأرفق لك طية ما كتبته - وهو توارد خواطر إذ لا يكاد يختلف عمّا جاء في مقالك - وفقك الله. مع أطيب تحياتي أخوك غازي القصيبي" انتهى.

في ذلك اليوم أدركت أن الدكتور غازي إنسان بمعنى الكلمة إذ من النادر أن يقول وزير في بلدنا لصحفي يصغره بنحو 30 عاماً أو أكثر "أخوك".

نعود للفكرة المهمة في المقال التي تشاركنا فيها وهي "أن سوق العمل الحر لا يظلم ما لم يتأثر بعوامل خارجية مثل الواسطة والسعودة، والمرء يأخذ ما يستحقه فيه وتبقى الزيادات على المرتب لدى الدولة التي يجب أن تدعم السكن مثلما تدعم الأرز وحليب الأطفال. والمشكلة في الأساس هي في عدم إدراك الناس لقيمتهم الحقيقية في سوق العمل".

الألف ريال ليست مرتبا ولكنها سعر أو قيمة الإنسان في سوق العمل. طبعاً هذه هي نظرية الأجور في الاقتصاد الحر، ولكن عيب الاقتصاد الحر أن تصحيح الأسعار والأجور فيه يأخذ وقتاً طويلاً.

وكما يقول أحد أشهر الاقتصاديين في تاريخ البشرية جون ماينارد كينز الذي أنقذ الرأسمالية من الكساد العظيم في الثلاثينات: "على المدى البعيد كلنا ميتون".

عذراً دكتور غازي، أنا الآن ضد تطبيق مبادئ الاقتصاد الحر في سوق العمل في المملكة خوفا من أن أموت قبل أن أرى تنافسا حرا على الوظائف ونظاما تعليميا ذا مخرجات سليمة وفي نفس الوقت إلغاء الواسطة والمحسوبية في الأجور والتعيين.

الدكتور غازي كان يعرف كل الحلول ولكن العقبات أمامه كانت كثيرة، والعقبات لن تزول بسهولة بعد وفاته واللوم لا يقع على وزارة العمل وحدها لأن منظومة سوق العمل لاتزال غير كاملة.