أريد إنشاء مزرعة صغيرة وأقضي وقتي هذه الأيام أجمع المعلومات وأرسم الأحلام وأوزع المهام على الأولاد وأمّهم وأحتفظ أنا بمهمة الإشراف على كل ذلك، ومهمة الإشراف على عمل كما نعرفها هي أن تجني فوائده ولا تشارك فيه.
جمعتني جلسة مع نخبة من أصدقائي المقربين، وأقنعوني أن المسألة ليست سهلة، فهناك تراخيص ومسوحات ومحاكم وترطيب ذمم.
قال صديقي إن موظفا في الجهات ذات الصلة طلب منه 150 ريالا صراحة، أما الموظف الثاني فكان أكثر لباقة ولمّح إليه أن "اليوم نهاية الأسبوع، وأنت عارف". غير أن موظفا ثالثا كان متحفظا ورفض إنجاز مهمته حتى يكمل صاحبي "أوراقه" فدخلت الورقة الناقصة فورا درج الموظف.
صديقي الثاني، ليتم إيصال خدمة ما إلى مزرعته دفع خمسة آلاف ريال لرأس حربة شبكة من الموظفين. أراد صديقي أن يدفع 500 ريال كان يعتقد أنها باقية في ذمته لأحد عمال إيصال تلك الخدمة إلا أن العامل رفض فحقه وصله ولا يريد زيادة. هذا مرتشٍ أمين!
صديقي الثالث، كنت أتوقعه لن يدفع رشوة لأحد، لكنه اعترف أنه فعلها مرة واحدة فقط حين بدأ بناء بيته فشنّ مندوبو إحدى الجهات الحكومية غارة عليه ونشب الخصام غير أن المعلّم اليمني الذي ينفذ البناء أخبره أن هؤلاء المندوبين يفعلون ذلك عادة وقد رآهم أكثر من مرة عند تنفيذه لمبانٍ أخرى، تم دفع 300 ريال وأكمل بناءه.
سألت أصحابي، وإذا لم أدفع؟ قالوا ستتعقد الأمور إلى ما لا نهاية.
سألتهم: وكيف أعرف أن هذا الموظف قابل للرشوة فمن الممكن أن يورطني لو فاتحته؟ قالوا: أنت وشطارتك، وغالبا فالموظف يطلب أو يلمّح.
أن يطلب موظف واحد رشوة فكأن الحكومة كلها طلبت رشوة من المواطن. وأن يدفع المواطن رشوة لموظف فكأن كل المواطنين دفعوا رشوة. كلاهما بلا ضمير.
طيب والذين لا يستطيعون أو لا يريدون دفع رشوة؟ قيل: يأكلون طيناً.
في حال كهذا لا يمكنك الاستفادة من الخدمات الأساسية إلا إذا انخرطت في "ماكينة" الفساد، والمزرعة حلم ثمين يستحق. وما أنا إلا مواطن.