تنص المادة الثامنة بفقرتها (ب) الخاصة بالرعاية الصحية من اللائحة الأساسية لدور التربية الاجتماعية المعنية بالأيتام والتي تتبع لوزارة الشؤون الاجتماعية، على أن تقوم وزارة العمل ووزارة الشؤون الاجتماعية بالاتفاق مع وزارة الصحة بندب أحد الأطباء من أقرب مؤسسة صحية للدار بالقيام بأعمال الرعاية الصحية التالية: الكشف الطبي على طالبي الالتحاق قبل تحولهم للدار، والكشف الصحي على مرافق الدور من الناحية الصحية، والكشف الصحي على المطابخ وأدواتها وصلاحية خامات الإعاشة وطريقة طهيها، والكشف على الحالات المرضية وتحويل ما يلزم تحويله على المستشفى، والإشراف على إنشاء منزل صحي مصغر داخل الدار، ووصف العلاج للمرضى وتقرير عزل من تستدعي حالتهم ذلك، وأخيرا الإشراف على إنشاء صيدلية مبسطة للإسعافات الأولية للحالات الطارئة بالدار.
اختصار المادة أعلاه أن وزارة الصحة هي المسؤولة عن تقديم الرعاية الصحية الشمولية للأيتام، إلا أن وزارة الشؤون الاجتماعية التي لطالما تذمرت، إعلاميا وفي ردهات مجلس الشورى، من تقاعس وزارة الصحة في علاج الأيتام قررت تجاهل وزارة الصحة ضاربة عرض الحائط بأنظمة ولوائح وزارة الشؤون الاجتماعية التنظيمية لتقوم بالاتفاق مع شركة تأمين صحي للتأمين على "جميع" الأيتام بالمملكة المقيمين بالدور الإيوائية التابعة لها.
نص الخبر المنشور في صحيفة الجزيرة بتاريخ 14 يناير 2012 على أن وزارة الشؤون الاجتماعية وقعت اتفاقية مع شركة تأمين صحي تضمنت تقديم "تبرع" الشركة بالتغطية التأمينية الصحية للأيتام، وهو ما تغير لحفل إعلان هذا الأسبوع عن قيام شركة بوبا بواجب "المسؤولية الاجتماعية" بالتغطية التأمينية الصحية لـ3000 يتيم، وهنا لا بد من توضيح طبيعة هذه التغطية "المجانية" فالتبرع أمر والقيام بالمسؤولية الاجتماعية أمر آخر، فالأولى وقتية والثانية مستدامة وهذا ما يطرح السؤال الأول، ما مدة هذه التغطية التأمينية المجانية للأيتام؟ وهل ستشمل النزلاء المستقبليين أم فقط من ستختارهم شركة تأمين صحي انتقائيا؟
هل هذه التغطية المجانية عبارة عن برنامج تجسير لعقد تأمين مستقبلي احتكاري لشركة تأمين صحي دون سواها متى ما تم إقرار التأمين الصحي على المواطنين؟ أم هل سيتم السماح للأيتام حينها باختيار تغطيتهم التأمينية الصحية خارج شركة تأمين صحي كبقية المواطنين والمواطنات؟ هل يوجد في عقد الاتفاق ما يضمن حقهم في هذا الاختيار؟
هذه الأسئلة تقودنا لنقطة "المجانية" التي حرصت شركة تأمين صحي على نشرها وتسويقها في وسائل الإعلام خلال الأيام السابقة ولم ينافسها سوى حفل توقيع وزارة الصحة لعقودها المليارية. لم تفصح شركة تأمين صحي عما تعنيه هذه التغطية المجانية للأيتام، وما هو المنتج المقدم للأيتام الذي تعاقدت فيه مع وزارة الشؤون الاجتماعية. لم يفصح المتعاقدون عن نوعية وثيقة التأمين التي ستقوم بتقديمها شركة بوبا العربية، ولم تفصح عن آلية علاج الأيتام في حال لم يقم بتغطيته هذا التأمين المجاني المجهول، وهو ما يقود لسؤال مهم، لماذا يتم رصد ميزانيتين للرعاية الصحية للأيتام، إذا كان سيتم علاجهم في وزارة الصحة في كل الأحوال؟ حيث إن الغموض الذي يشوب وثيقة تأمينهم المجانية يشير إلى أنها أقل من الحد الأدنى لوثائق التأمين المقدمة من شركة تأمين صحي لغير الأيتام.
إضافة لما ذكر أعلاه من ازدواجية الرعاية الصحية بتخلي وزارة الصحة عن مسؤوليتها تجاههم وتلقف شركة التأمين الخاصة لهم بوثيقة مجهولة الملامح والبنود، فإن هناك خرقا أخلاقيا ونظاميا في مراحل تطبيق هذه الاتفاقية. كيف يتم السماح لشركة تأمين صحي "خاصة" بزيارة دور الأيتام وتقييم وضعهم الصحي وعوامل الخطورة وهو ما لا يخضع للأعراف الطبية والأخلاقية؟! فلا أعتقد أن شركة تأمين صحي تقوم بزيارة موظفي شركات الدولة السيادية في بيوتهم ومكاتبهم للفحص عليهم وتقييمهم صحيا، فما المسوغ الأخلاقي والقانوني لقيامهم بذلك وسماح الوزارة به، هل هي "مجانية" هذه التغطية، أم حقيقة أنهم فئة مستضعفة تجهل حقوقها وإن علمتها لا تملك امتياز الرفض؟
من الذي أعطى شركة تأمين صحي حق التعدي على مهام وزارة الصحة المسحية لعوامل الخطورة وتقييم الوضع الصحي للأيتام؟ ومن الذي أعطاها حق التعدي على خصوصياتهم الاجتماعية والصحية ورصد بياناتهم وبناء قواعد لها خارج الأعراف الطبية والأخلاقية؟
صمت وزارة الصحة عن هذه المهزلة الأخلاقية لفئة مستضعفة وغضها البصر عن تعدي وزارة الشؤون الاجتماعية على صلاحياتها بحاجة لوقفة ومساءلة، فواقع أن الفئة المعنية هي من "الأيتام" لا يقلل من حقهم بالرعاية الصحية ولا يقلل من حقهم بالحماية من هذه التعديات.
كيف غاب مجلس الضمان الصحي التعاوني عن مشهد هذه الاتفاقية الغريبة بين شركة تأمين صحي ووزارة الشؤون الاجتماعية؟ هل أتت هذه المبادرة بمباركة من مجلس الضمان الصحي، وهل يعني هذا ضمنا موافقة وزارة الصحة - عضو مجلس الخدمات الصحية - عليها وعلى ضبابية بنودها؟ هل يعني هذا أن وزارة الصحة على علم بوثيقة التأمين الصحية السرية الممنوحة للأيتام من شركة تأمين صحي حتى يتسنى لها رفض علاجهم للأمراض التي يغطيها تأمينهم؟
هل سينتهي الحال بالأيتام بتقاذفهم برفض الشركة ورفض وزارة الصحة لعلاجهم، حيث إنهم لا يعلمون ولا نحن نعلم أين يقفون؟ ما نعلمه أن هذا ملف بحاجة لتدارك من قبل حقوق الإنسان وديوان المراقبة العامة وهيئة مكافحة الفساد، حتى لا ينتهي الحال بصدقة يتبعها أذى.