فيما تقدمت الولايات المتحدة في سياستها حول "محور آسيا"، وغيرت علاقاتها التجارية والأمنية التقليدية مع أوروبا والشرق الأدنى لصالح تركيز قوي عبر المحيط الهادئ، فإن القوى الآسيوية الأربعة الأساسية –الصين، الهند، اليابان، وكوريا الجنوبية- تقوم بتطبيق سياستها الخاصة حول "محور الشرق الأوسط"، من خلال تعميق علاقاتها التجارية، وتأمين إمدادات الطاقة المستقبلية، وتغيير العلاقات الأمنية والدبلوماسية بسرعة فائقة. الفرق هو أن "نقطة التحول" بالنسبة للولايات المتحدة في معظمها مجرد كلام، فيما أن الصين تطبق رؤيا تتمثل في "طريق الحرير الجديد" الذي سيربط الشرق الأقصى مع أوروبا، عبر أوراسيا، وخاصة الشرق الأوسط.
مع بداية العام الجديد، قام وزير الخارجية الصيني بجولة في المنطقة وزار فلسطين، إسرائيل، الجزائر، المغرب، والسعودية. الصين برزت بالفعل على أنها الشريك التجاري الأول لعدد من الدول العربية الهامة، وفي 2012، وصل إجمالي حجم التجارة بين الصين والشرق الأوسط إلى 300 مليار دولار. ومع أن الصين، بالإضافة إلى باقي القوى الآسيوية، قلقة بشكل أساسي على حاجاتها من الطاقة وأهمية التدفق الآمن للنفط من منطقة الخليج، إلا أن الصين أصبحت أيضا مصدرا رئيسا للاستثمارات وأعمال البنية التحتية في الخليج ودول إقليمية أخرى. اليوم، لدى الصين 120 مليار دولار في مشاريع بنية تحتية قيد الإنشاء في المنطقة، وقد استثمرت الصين مؤخرا بشكل مباشر حوالي 10 مليارات دولار في منطقة الخليج.
خلال جولته في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قدم وزير الخارجية الصيني مخططات الصين لتطوير حزام طريق الحرير وطريق حرير بحري أيضا. طريق الحرير البري سيربط الصين مع أوروبا عبر خط سكك حديدية سريع وممرات من المشاريع الزراعية-الصناعية، بما في ذلك عدة مدن جديدة. خط الحرير البحري سيربط المحيط الهادئ مع المحيط الهندي. على الخارطة الصينية، خطوط الحرير تلتقي في الشرق الأوسط، الذي يعتبر نقطة تقاطع الطرق الهامة بين آسيا، أوروبا، وأفريقيا.
وزير الخارجية الصيني تباحث مع نظرائه في الشرق الأوسط حول اجتماع اللجنة المركزية الثامن عشر للمؤتمر الثالث للحزب الشيوعي الصيني الذي جرى مؤخرا، حيث تمت مناقشة التواصل مع الشرق الأوسط بشكل مفصل. الرئيس الصيني قدم اقتراحا من أربع نقاط لاتفاقية بين إسرائيل والفلسطينيين تعتمد على حل الدولتين وتتوافق مع مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز التي قدمها عام 2002، والتي تبنتها فيما بعد الجامعة العربية، وهي تشكل حاليا أساس الحراك الدبلوماسي الذي يقوده وزير الخارجية الأميركي جون كيري. في المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي الصيني، تبنى القادة الصينيون ما يسمى "الدعامات الأربعة" للدول العربية.
"الدعامات الأربعة" تشمل مزيدا من الدبلوماسية الصينية النشيطة لحل أزمات المنطقة الساخنة بالتعاون مع الدول العربية؛ بما يعمق التعاون الاقتصادي لتحقيق استراتيجية مشتركة يكون الكل فائزا فيها؛ ويشجع على دور أكبر للحكومات العربية في المنتديات الإقليمية والدولية التي تعالج المشاكل الرئيسة؛ ويوفر المساعدة لضمان أمن وحقوق الدول العربية.
خلال جولته، تشاور وزير الخارجية الصيني مع أمين مجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني، وناقش مصالح الصين في مشاركة خبرتها في تطوير خط سكك حديدية سريع مع دول الخليج. الصين مستعدة للبدء مباشرة في بناء خط سكك حديدية سريع، وهي ملتزمة ببناء خط حديدي يربط الصين مع الشرق الأوسط وما وراء الشرق الأوسط.
نصف خطوط السكك الحديدية للقطارات السريعة في العالم هي في الصين اليوم، ويصل طولها إلى أكثر من 12000 كلم. على مدى العقدين القادمين، ستضاعف الصين شبكة خطوطها الحديدية الداخلية للقطارات السريعة. طريق الحرير التاريخي كان يمتد إلى شواطئ البحر المتوسط في سورية. اهتمام الصين بإيجاد حل دبلوماسي للأزمة في سورية مرتبط إلى حد كبير مع مخططات المدى البعيد لبناء طريق حرير جديد.
الصين تجاوزت الولايات المتحدة حاليا كشريك تجاري أول للسعودية، وخلال زيارته إلى الرياض، تحدث وزير الخارجية الصيني عن شراكة استراتيجية تتطور بسرعة بين السعودية والصين. في العام الماضي، كان هناك 73 مليار دولار في التجارة البينية بين السعودية والصين.
في إبريل ومايو من عام 2013، ترأس رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي وفدا من أكثر من 100 رجل أعمال ياباني إلى الشرق الأوسط، وعقدوا اجتماعات في السعودية، الإمارات، وتركيا، ووقعوا اتفاقيات شراكة استراتيجية في الدول الثلاث. في خطاب هام في السعودية، اقترح وزير الخارجية الياباني ليس فقط مشاريع بنى تحتية جديدة لإمدادات الطاقة، بل اقترح أيضا مشاريع بنية تحتية مشتركة بتكنولوجيا عالية، بوجود تمويل أجنبي من اليابان.
بحسب أحد الموظفين القدماء في وزارة المالية اليابانية، خلال الفترة الأولى من ثمانينات القرن العشرين، عندما كانت الحرب العراقية – الإيرانية لا تزال مشتعلة، كانت اليابان ودول آسيوية بارزة أخرى تعي المخاطر على إمدادات الطاقة الخاصة بهم التي تشكلها الصراعات الإقليمية. عقب انتهاء الحرب ثم الغزو الأميركي للعراق، أصبحت آسيا تعتمد على الضمانات الأميركية للتدفق الحر للنفط من الخليج، ونتيجة لذلك لم يعد هناك أي ضرورة للقلق. تغيرت الأمور كثيرا الآن، مع تصاعد الخلافات بين واشنطن وعواصم عربية، ومع "محور آسيا" الأميركي الذي يعني تحولا كبيرا من الموارد والاهتمام الدبلوماسي بعيدا عن منطقة الخليج والشرق الأدنى التي كانت هامة جدا في يوم من الأيام.
الدول الأوروبية عالقة على المدى المنظور في انحدار اقتصادي نتج عنه تقليص كبير في الاستثمارات الأوروبية في مجال الدفاع، وأصبح لزاماً على القوى الآسيوية الرئيسة أن تقبل التحدي وتبني علاقات غير مسبوقة مع الشرق الأوسط. وهذا بالضبط ما يجري حاليا.