أول من أمس، فقدت الساحة التشكيلية، التشكيلي حسن عسيري، أحد رموز هذا الفن، وأبرز الباقين في أحداق متأملي أبها، وجدارياتها، و"مفتاحتها"، ولوحاتها الأولى التي شكلت "هوية" الحركة التشكيلية في منطقة عسير.
وكما هي عادتنا، بوصفنا "مجتمعا دفّانا"، لم نتنبه إلى ريادة حسن ودوره وأثره وإرثه الإبداعي إلا بعد وفاته -رحمه الله، وها نحن نكتبه ونستعيده، بعد أن حَرمناه – في أثناء حياته ـ من تكريم أو كلمة شكر.
عبر سنوات طويلة، كنت خلالها عضوا في بعض لجان جائزة أبها، أو مقدما لاحتفالات توزيعها، كان حسن فائزا مرات في إثر مرات، وليس كالجوائز في الدلالة على الإبداع، فكيف بها إذا تكررت مرات متعددة.
منذ كانت "المفتاحة" موئلا ودارا للفن وأهله، ومنذ كانت "فنون أبها" محركا للمناشط الفنية، كان حسن عسيري عنصرا مهما فيهما، لأنه "فنان" يعرف الأماكن التي تمكنه من إيصال رسالته، ولأن "بيته" هو مكان إبداعه.
غاب حسن عن "مفتاحته" و"جمعيته" منذ سنوات، لكنه بقي فيهما، لأن له في كل زاوية أثراً، وعلى كل لون لونا، فكان غيابه مدار الكثير من الأسئلة حول الأسباب والمآل، مما يعني أنه كان حاضرا حتى في غيابه.
بقي أثره في مسرح "الجمعية" السابق، حيث وضع لمساته اللونية النحاسية التي ليست إلا له، وبقي أثره "ذكرى" في كل زاوية من زوايا "قرية الفن"، حتى إن نفرا من "جيلنا" لا يمكنهم التجول في "أروقة المفتاحة"، إلا ويذكرون "حسن عسيري"؛ هنا قال، وهنا فعل، وهنا رسم، وهنا درّب، وهنا أشرف على دورة، أو استقبل وفدا.
مازلت أذكر أن "حسن" أمضى بضعة أشهر في تنفيذ لوحته النحاسية الجدارية على مدخل "المفتاحة"، حتى حولها إلى "بانوراما" بصرية، تعود إلى لون واحد، هو اللون الذي استقر عليه وفضّله في أعماله الأخيرة، وتلك قدرة لم أعرفها عند فناني منطقة عسير – ولست ناقدا تشكيليا ـ إلا عند حسن؛ أعني أن يكون اللون الواحد ألوانا وحياة ولوحة جاذبة.
حسن كان يرسم بإخلاص، إلى الحد الذي يجعله يعود إلى اللوحة الواحدة مرات ومرات، وكأنها "هاجس" يعاوده، فيعود إليه.
لوحاته الأخيرة كانت ذات اتجاه لوني خاص، حتى إن الناظر إليها يستطيع تمييزها، ومعرفة صاحبها، قبل أن يستدل على اسمه، وتلك الميزة ـ في الفنون البصرية والقولية ـ تعني النضج، وتمام التجربة.
بمعايير الريادة، نستطيع أن نقول إن "حسن عسيري"، واحد من رواد الحركة التشكيلية في منطقة عسير، ولم يكن كذلك وحسب، بل كان أحد المؤثرين في الجيل الذي تلاه.
عدت إلى هاتف قديم، فوجدت منه عشرات الرسائل التي تعاتب وتحب وتهنئ، ليتضاعف بها الحزن.
رحم الله أبا يوسف، وأسكنه جناته الفسيحة.