دعونا نتجاوز، أو ننسى قليلاً خرائط القتل العربي التي تحظى بتغطية مكثفة في نشرات الأخبار وتستأثر بنصيب أكبر من فزعات السياسة الدولية، وتملك من المحاضن السياسية مسميات (الائتلاف والمجلس والجماعة). دعونا ننسى هذه الأبراج من (صوامع القتل) في العراق وسورية وليبيا ومصر ثم نذهب قليلاً لصومعة القتل المنسية المهملة في (صعدة) اليمن فقد تكون (دمّاج) هي (العينة) المخبرية الصغيرة التي يأخذها أطباء التشخيص في علوم الأمراض عندما يشتبهون في خلية سرطانية. دماج تمثل اليوم شهوة هذا العقل العربي المريض بالقتل ونزعته المريضة إلى التصفية لمجرد الاختلاف على العرق أو المذهب أو الهوية. دماج، بالقياس الديموجرافي اليمني، أقلية سنية تسكن قرى متناثرة في محيط أكبر من أغلبية المذهب المقابل. خلال أسبوعين فقط قتل من أهل دمّاج ما يقرب من 300 شخص، وهو رقم يفوق كل عدد القتلى في كل تاريخ هذه القرى من المنازعات والثارات.
من يقرأ نشرات الأخبار حول (صعدة ودماج) سيظن أن هذا الدين بمذاهبه المختلفة لم ينزل لليمن إلا منذ شهرين. من يقرأ قصص التصفية على المذهب سيظن أن هذا الدين نزل إلى اليمن بـ(البراشوت) منذ أسبوعين. من يقرأ تاريخ اليمن مع هذا الدين العظيم سيظن أن مجرد عامين من البغض المذهبي لا تستند إلى ألف وأربعمئة من التعايش بين أتباع المذاهب. سيظن أن كل خريطة العالم الإسلامي تكتشف هذا الدين للتو، منذ يومين، شهرين، عامين أو قل عقدين. خلية دماج المخبرية مثلما قلت في منتصف المقال هي عينة من مصيري ومن نهايتك. هي من ستفرزني مستقبلاً لأنني من قبيلة طارئة وافدة إلى الموطن الجغرافي للقبيلة المقابلة المستضيفة. هي من ستطرد جاري السابع عشر من أملاكه وحصونه لأنه من مذهب مقابل. هي من ستنهي آمال الأعراق والمذاهب والأديان المختلفة بالقتل على الهوية وبالتشريد على الاختلاف في كل هذه الخريطة الواسعة: باختصار: دماج فكرة لجنون العقل العربي في زمن بالغ الجنون والغرابة.