يقطع البعض مسافات من أجل الحصول على معلومة بحثية، وفي تركيا وفي الأرشيف العثماني بمدينة إسطنبول تحديدا والذي يضم أكثر من 150 مليون وثيقة لم يصنف منها بحسب مراقبين سوى 20% لا يمكن لك أن تحصل على أي معلومة ما لم تكن باحثا متخصصا يعرف متطلبات البحث العلمي، أو على أقل تقدير يملك علاقات جيدة بباحثين متخصصين يسهلون عليه المهمة حتى لا يعود بخفي حنين.

وتظل (اللغة) واحدة من أكثر الإشكالات والعوائق التي يمكن أن يواجهها الباحث في أرشيفات تلك البلاد المترامية والتي قليلا ما تجد فيها من يتواصل معك بالعربية وحتى الإنجليزية. والغريب أن الأمر يحدث معك حتى في الشطر الأوروبي من أرجائها، وأنا أقصد هنا من الأتراك أنفسهم الذين يتضح كثيرا تمسكهم بلغتهم القومية رغم حالة الانفتاح الثقافي الكبيرة التي تعيشها تركيا.

أتصور أن الباحث يحتاج قبل أن يأتي بلاد بني عثمان التي تدفق بالتاريخ بحثا عن الوثائق والمخطوطات أن يرسم خريطة متكاملة لكل مسار رحلته وأن يتواصل قبل أن يأتي مع بعض الباحثين من الجامعات التركية على وجه الخصوص، والتي من بينها جامعة مرمرة، حيث خبرتهم الطويلة في هذا المجال وتعاملهم مع مختلف اللغات والتي فتحت لها الجامعة أقساما متخصصة يدرس فيها عدد من الطلاب ممن يمكن التواصل معهم لإنجاز عدد من البحوث.

ولعل من المراكز المهمة والتي يمكن أن تكون عونا للباحث في هذا الاتجاه مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية "إرسيكا" بإسطنبول والتابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي والذي يرأسه الدكتور خالد أرن الأخير الذي يجيد كثيرا من اللغات بما فيها العربية، و يظل واحدا من أهم المراكز التي يمكن التواصل معها لتقديم المساعدة للباحثين ممن تشغلهم قضية الوثائق والمخطوطات، حيث يتوفر المركز على نخبة من المتخصصين من مختلف القوميات إضافة للأتراك الذين يجيدون عددا من اللغات. ولعل من يدخل عبر بوابة ذلك المركز والذي عمم خدماته على مختلف أرجاء العالم الإسلامي يشعر للأمانة بالراحة، حيث بالغالب سيجد طريقه على أقل تقدير في مكان مناسب يمكن من خلاله أن يوثق العلاقة بشكل جيد مع الوسط البحثي في تلك البلاد.

الناس في تركيا كرام لطيفون ومحبون كذلك للعلم إلا أن ذلك وحده لا يكفي لمن جاء لسبر أغوار الوثائق والمخطوطات القديمة التي تناولت جانبا مهما من تاريخ حضارتنا الإسلامية. وأجدها فرصة في هذه المساحة للتأكيد على أن المال وإن كان يصل بك إلى تلك الديار عبر مطاراتها وجميع منافذها لا يمكن له أن يضمن لك الحصول على المعرفة الحقيقية حين تفتقد أدواتها والتي من أهمها الإلمام باللغة التركية.