"بمجرد أن يحين وقت ذهاب طفلي إلى النوم ينتابه الأرق، وتصيبه حالة من الخوف والتوتر الشديدين، وعادة ما تتحول الحالة إلى أعراض عضوية كالغثيان، والقيء، وأحيانا ألم في الرأس، ويبذل كل الجهد للحيلولة دون الانفصال عني عند مجيء النوم".
تلك حالة الطفل "بدر" التي انتابته حينما بلغ سن الخامسة، وقررت أمه أن يستقل عنها أثناء النوم، كونه على موعد قريب من الالتحاق بالروضة، وتعلم أهمية انفصاله المؤقت عنها خاصة في مثل هذه السن.
لم تكن تلك المشكلة الوحيدة في حياة "أم بدر" وطفلها، بل تطورت إلى أبعد من ذلك، حيث بات طفلها يرفض خروجها من البيت، ويتبعها من غرفة إلى أخرى.
ولم تكن "أم بدر" الوحيدة التي تعاني من هذه المشكلة، فها هي علياء الرويلي الموظفة في تعليم القريات، تعاني من نفس المشكلة، تقول: "منذ أن قررت انفصال طفلي عني أثناء النوم، فقدت طعم الراحة، فبكاؤه أصبح يتجاوز الحد الطبيعي، حيث بدأ في نوبات البكاء وقت ذهابه إلى النوم، ولم أجد حلا للمشكلة سوى إعادته من جديد للنوم معي".
وفي المقابل، لم تكن الطفلة "سعاد" البالغة من العمر أربع سنوات تشكل مشكلة لدى "أم خالد"، بل كانت الأم هي المعضلة، حسب ما يقول أبو خالد الذي قال "عندما استقلت طفلتنا سعاد عنا في غرفة مستقلة لها، وبعد فترة من التمنع والرفض، وعمليات مستمرة من التشجيع لها على ذلك، أصبحت العملية معقدة أكثر مما كنت أتخيل، فرهاب الانفصال طال والدتها، وكأنها عدوى انتقلت من الطفلة إلى أمها، فأصبحت تعاني من اضطراب في النوم، وغالبا ما تصاب بنوبة بكاء جراء ذلك، وكثيرا ما تسبب لي القلق والإزعاج في النوم حينما تتمتم بمدى حزنها على فراق صغيرتها، وتصف لي الوجع والفراغ الذي تشعر به، كون الطفلة لم تعد بحاجة إليها".
وتابع أبو خالد: "في كل يوم كان الأمر ينتهي بأن تنسحب زوجتي بكل هدوء إلى غرفة الصغيرة، وهذا بالطبع تصرف خاطئ من قبلها، كونها تشجع الطفلة في عدم الاستقلالية والانفصال عنها خاصة في مثل هذا العمر".
وعن أسباب مشاكل النوم عند الأطفال تلك تقول أخصائية الإرشاد النفسي مريم العنزي: "الكثير من مشاكل النوم عند الأطفال تعود إلى عادات النوم غير المنتظمة، أو القلق، خاصة فيما يتعلق بالناحية العاطفية لدى الصغار أثناء استقلالهم بالنوم عن أمهاتهم، وهو ما نسميه بـ "قلق الانفصال" حيث يعتبر الأطفال أن الذهاب إلى النوم هو وقت الانفصال، وبذلك يبذل الطفل أقصى جهد للحيلولة دون ذلك، وهذا يفسر لنا ما ذكر من قبل الأمهات في الحالات السابقة عن إصابة الصغار بحالات بكاء، أو خوف، أو شعور بأمراض عضوية كالألم في البطن، أو في الرأس، أو غيرها من الأعراض النفسية كالقلق، ونوبات الاستيقاظ المتقطعة، وشدة التوتر، والانفعال".
ونصحت العنزي الأمهات بالانفصال التدريجي في وقت مبكر من حياة الطفل، الذي يساعد على مجابهة تلك المشكلة، أو الاستلقاء بجانبه ريثما يستغرق في النوم، مع ضرورة المرور عليه بين الفينة والأخرى، وضرورة الاهتمام بالمكان الذي ينام فيه، وأن يكون مكانا جذابا شيقا. وحذرت من التصرفات التي تلجأ إليها بعض الأمهات، كعدم الاهتمام بالطفل عندما يوجه إلى والدته النداء، ويظهر لها خوفه، وقالت: "في حال عدم استجابة الأم لطفلها وتهدئته، فإن الخوف قد يتراكم، ويصاب بعدها بمرض نفسي تصعب معالجته".