شاب صغير، لم يخرج ربما من قريته أو مدينته الصغيرة في حياته، ربما لا يعرف حتى مدن المملكة الكبيرة، ولم يعتد على المدنيّة والحياة المعقدة، إضافةً إلى محدودية التجربة وصغر العمر، معتاد في حياته على البساطة وكل ما لجاره له، وما له لجاره، ثم يذهب ويعبر المحيطات إلى أكثر دول العالم تحضرا بلا مقدمات!

هذا النوع من الشباب يحتاج إلى الكثير من العناية والتثقيف قبل الدخول في عالم مختلف كليا عن ثقافتهم واطلاعهم، ومن الطبيعي أنهم يواجهون الكثير من الصعوبات وربما تعيق تقدمهم ونجاحهم بشكل كبير، ولا شك أن وزارة التعليم لها جهود مشكورة، ولكن أتمنى وضع برامج متابعة خاصة بهؤلاء، خاصة إذا كان مستواهم اللغوي ضعيفا.

يصل هذا الشاب وغيره إلى هناك فيجدون أن بلدية المدينة تنتظره بمخاطبات لا تنتهي لأجل الضريبة، يحتاجون إلى معرفة كيفية الحصول على سكن مناسب، ثم الوعي بالتزامات استئجار البيت وإخلائه التي لا تنتهي، أنواع مختلفة من الضرائب والالتزامات القانونية التي يجب أن يتبعوها، ثقافة المجتمع الذي سينتقلون إليه مختلفة تماما، كما أن الكثير لا يعرف من الحضارة والتطور إلا ما سيحظى به من ترف أو متعة، ولا يدري أن القانون لا يرحم هناك! بدءا من رمي المخلفات في الطرقات العمل الذي لا يعبأ به الكثير منا للأسف! وانتهاء بصرامة قوانين المرور التي نحن في غاية الحاجة الماسة إليها.

بعد أن يُمضي المبتعث الجديد فترة من الزمن فإنه يبدأ يتعرض لمغريات الانفتاح وربما الانفلات بالنسبة لنا، والمأساة إذا استجاب الشاب لتلك المغريات حيث كثيرا ما تأخذه بعيدا عن هدفه، ولا يستفيق إلا وهو عائد إلى بلده صفر اليدين! فالمبتعث يجب أن يكون لديه هدف واضح، ويتجنب كل ما قد يصرفه عن ذلك الهدف، إلا أن البعض - وهم قلة بإذن الله- قد ينسى نفسه مع ضعف الخبرة والتجربة ولا يفيق إلا بعد فوات الأوان.

في التعامل مع الأبناء؛ يجب على المبتعث الأب أو الأم أن يتوخيا الحذر مع أبنائهما، فلو اشتكى الطفل للمدرسة ضرب أبيه له مثلا أو تعنيفه؛ فإن القانون لن يرحمه، حتى تهديد الأب له بالضرب فإنه يعرض صاحبه للمساءلة، فما زالت ثقافة بعض أبناء مجتمعنا تعود إلى الجاهلية في التعامل مع الأبناء بطريقة التوبيخ والضرب ربما لأدنى سبب! والأعظم من ذلك؛ العنف ضد المرأة من زوجة أو أخت! حيث يضع قانون التحكم بالعنف في أميركا مثلا (The Violent Crime Control and Law Enforcement Act) أن العنف ضد المرأة يترتب عليه حق عام وخاص، بمعنى أن الزوجة حتى لو تنازلت فإن هناك الحق العام الذي سيعاقب عليه الزوج مهما كان، هذه الطريقة الجاهلية في التعامل يقف لها القانون هناك بكل صرامة ولا يتساهل فيها، إلا أن البعض قد يقع ضحية جهله بالقانون وربما تتم مبالغة في حادثة ما، ولذا يجب الحذر دائما.

في بريطانيا؛ هناك زيارة دورية للطفل في بيته من قبل جهاز العناية بالطفل هناك، وأذكر مرة أن ابني وقتها لم نجد له كرسيا في المدرسة المجاورة بسبب أننا كنا جُددا على الحي، ولكن بعد زيارة عناية الطفل لنا، وجدوا بعد أن طرحوا علينا العديد من الأسئلة، أن الابن لا يعرف أحدا هناك -عمره أقل من أربع سنوات آنذاك-، وسألونا لماذا لا ندخله الحضانة المجاورة؛ فأجبنا بأننا حاولنا ولم نجد مقعدا، سجلوا الملاحظة وقدموا لنا بعض النصائح والتوجيهات العامة للطفل وانصرفوا. المفاجأة أنه بعد ثلاثة أيام فقط؛ استلمنا رسالة من المدرسة المجاورة بأنه تم توفير مقعد للابن ويمكنه البدء فورا! واكتشفنا أن فريق العناية بالطفل كتبوا لهم بضرورة ضمه لكون الطفل قد يتضرر بسبب انعزاله عن الأطفال!

نعم لم أكن أفكر حتى في البحث عن واسطة مثلا، حيث لا تجدي هناك، بل هذه المدنيّة المتحضرة التي تضع معايير حقوق الإنسان وكرامته قبل كل شيء!

لست مضطرا إلى التنبيه بوجود الكثير من الأخطاء هناك، إلا أن الحق يجب أن يشاد به، فلم يسألوني ما هي جنسيتك مثلا؟ وهل الطفل يحمل الجواز البريطاني أم لا؟ ولم يسألوا عن ديانتي أو غير ذلك من الأسئلة، بل يقدمون الخدمة للجميع بلا تفرقة.

أعود وأقول إن الدول المتحضرة نعم تقدم القانون والعدالة في كثير من تعاملاتها، ولكن أيضا يجب أن يكون المبتعث واعيا لالتزاماته ولا يستهتر أو يتهاون بها، فالقانون نفسه الذي يحميك سيعاقبك بقسوة عندما تنتهكه.

أخيرا أقول؛ إن مشروع الابتعاث الذي اهتم به خادم الحرمين الشريفين أمل كبير لهذا البلد، وربما هو أعظم مشروع نهضوي للبلد، وأكبر استثمار بشري في تاريخه، ومتأكد بإذن الله أنه سيعود على البلد بالكثير من الفوائد التي لا تظهر آثارها إلا بعد فترة من الزمن، وربما أقل تلك الفوائد؛ انفتاح مجتمعنا على العالم والاستفادة من خبراته، والأهم فهمنا للعالم الآخر، بعد أن كان الكثير لا يعرفه إلا في التلفاز أو في القصص والحكايات التي لا تخلو من خرافة أو مبالغة!