أزعم أنني واحد من أكثر من كتب عن "الرقابة"، وأزعم أنني ما إن ألتقي بأي مسؤول سواء كان أميرا أم وزيرا، أوغيرهم من النواب والوكلاء إلا ويكون موضوع الرقابة محور حديثي معهم.
الرقابة التي أعنيها هنا هي الرقابة على حسن الأداء في العمل، الرقابة على الجودة في المشاريع، الرقابة على تنفيذ الصيانة المفترضة على كل ما يحتاج صيانة، سواء كان مشروعا ضخما، أم جهازا صغيرا، أم باب طوارئ في مكان مهم، الرقابة على كل قانون أو نظام لضمان العمل به والتقيد بأهدافه ومعرفة عيوبه. الرقابة على أداء العمل وما إذا كانت الأهداف تتحقق وفق الخطط والاستراتيجيات، أم أن ما تتضمنه الأوراق والتقارير لا علاقة له بواقع الحال.
الرقابة التي أعنيها تلك التي تضبط وتيرة كل عمل وكل سلوك في المنزل والمكتب والمصنع وأماكن العمل بشكل عام، وكل ما في الشارع بدءا من التقيد بأنظمة السير والمرور واحترام الطريق وانتهاء بالمحافظة على نظافة الشوارع والشواطئ والحدائق والمتنزهات والساحات والميادين العامة.
قلت وما زلت أقول إن الرقابة هي من الأهمية بمكان، بحيث وجودها يعني انضباطا وتطورا وتسجيل مراحل تقدم متتالية، وغيابها يعني فوضى وعبثا وانهيارا وهدرا في المال والجهد.
ومما قلت أيضا وما مللت من قوله مرارا وتكرارا، إن مبالغ طائلة تقدر بالمليارات تخصصها الدولة في كل عام للصيانة للعديد من القطاعات والخدمات والمباني والطرق والمستشفيات والمدارس وما لا يمكن حصره هنا؛ لكن الواقع المرصود والمشاهد يقول إن حال العديد من هذه المشاريع يمر عاما بعد عام وهو على نفس الحالة دون أن تصله يد الصيانة، والسبب غياب الرقابة التي بحضورها يمكن كشف هذا التلاعب وهذا الغش الذي في الغالب لا يلتفت إليه أحد إلا حينما تقع كارثة تكشف غياب الصيانة، بما يعني غياب الرقابة.
الأمثلة كثيرة على غياب الرقابة والشواهد متعددة على ما ترتب على هذا الغياب من خسائر مادية وبشرية، لكنني عدت اليوم لأكتب عن الرقابة حينما استفزتني عناوين الصحف وهي تتسابق للكشف عن حجم وعدد الآبار المكشوفة في مناطق المملكة، التي تهدد السكان بعد فاجعة الطفلة "لمى"، أرقام مخيفة تتحدث عن آلاف الآبار المكشوفة، ومبادرات للتو اتخذت لإغلاق وردم هذه الآبار مثلما تم في المنطقة الشرقية، حيث تم ردم عشرات الآبار بعد حادثة "لمى".
جل المصائب كما أسلفت سببها غياب الرقابة، وما تفعله الجهات المعنية حاليا تجاه الآبار من ردم وإغلاق كان من المفترض القيام به قبل حادثة (لمى) لو أن هناك رقابة ولو أن هناك مساءلة، ولو أن هناك ما يجعل من الرقابة عملا أساسيا يوميا لا عملا استثنائيا طارئا.