يحتفل مسلمو أمريكا عادة كغيرهم من مسلمي دول العالم الإسلامي بعيد الفطر المبارك في أجواء احتفالية رائعة، وكثيرا ما يشارك هذه الاحتفالية غير المسلمين، هذه المشاركة أشك في تواجدها هذا العام في أمريكا، فعيد الفطر المبارك لهذا العام يتزامن وذكرى 11 سبتمبر، كما أن عجلة الكراهية ضد الإسلام والمسلمين تدار هذه الأيام هناك على قدم وساق وبشكل منظم ومدعوم، فالجمعيات الأمريكية اليمينية المتطرفة تسعى إلى زعزعة الأمن وتزكية الكراهية والخوف من الإسلام والمسلمين، بل وبين صفوف المسلمين أيضا! فهناك جماعة تطلق على نفسها اسم "أوقفوا أسلمه أمريكا" بدأت بإلصاق إعلانات على حافلات النقل العام تدعو المسلمين لتغيير دينهم.

والأمر لم يتوقف عند هذا الحد فلم يمر يوم على حديث وسائل الإعلام عن تلك الحملة، حتى ظهر علينا قس غريب الأطوار اسمه "تيري جونز" وهو المشرف على كنيسة "دوف التبشيرية" المتواجدة في منطقة "جينشفيل" والتابعة لولاية فلوريدا الأمريكية، فقد قام هذا القس بإشعال وتزكية حملة عنصرية جديدة ضد الإسلام، وأجل مقدساته (القرآن الكريم) كتاب الله سبحانه، إذ دعا إلى تنظيم حملة عالمية لحرقه في ذكرى هجمات 11 سبتمبر، علما بأن هذا الرجل يحمل في صدره حقدا دفينا ضد الإسلام والمسلمين فقد سبق له أن أصدر كتاباً يحمل عنوان "الإسلام من الشيطان" وهو يبيع في كنيسته أكوابا وقمصانا وغيرها من الأدوات تحمل هذا العنوان، ولعلمه بخطورة ما عزم أمره عليه أعلن أنهم سيستعينون بميليشيا مسلحة متطرفة لحماية مراسم ما أطلقوا عليه بـ "اليوم الدولي لحرق القرآن"، وبدأت الكنسية بالترويج لهذه الحملة إعلاميا عبر موقعها الإلكتروني وصفحتها على موقع "الفيس بوك"!

وفي مكان آخر في أمريكا تتحرك حملة هوجاء أخرى ضد بناء مركز إسلامي ثقافي نال مؤخرا الموافقة الرسمية لبنائه قرب موقع "جراوند زيرو" الذي استهدف في اعتداءات 11 سبتمبر، فقد عارض غالبية سكان نيويورك بناء هذا المركز، وعلل بعضهم موقفه من أنه قد يصبح مركزا "للتطرف الإسلامي"، إلا أن المتابع للتحركات المناهضة للإسلام هذه الأيام والمتواجدة في العالم وفي أمريكا، يدرك إن الخوف من انتشار الإسلام هو السبب الرئيس لهذه المعارضة الحادة، (فوفقا لأحدث الإحصائيات فإن عدد المسلمين الأمريكيين قدر بنحو 2,350,000 مسلم في عام 2007 بعد أن كان عددهم 1,8 مليون عام 2000 ، كما يوجد حاليا ما يقرب من 1200 مسجد في كافة أنحاء الولايات المتحدة).

على أية حال مارس هؤلاء – حتى الآن - نشاطهم بشكل منظم فقد حصلوا على موافقة هيئة النقل في مدينة نيويورك لاستخدام نحو 26 حافلة ركاب عامة لنشر إعلانات مناهضة لهذا المشروع، وهذه الإعلانات (تظهر صورة لطائرة على وشك الاصطدام بمركز التجارة العالمي المحاط بالدخان وبجانبها عبارة لماذا هنا؟) إضافة إلى قيامهم بمظاهرات مناهضة لهذا المشروع حمل أحد أفرادها لوحة كتب عليها (لا تنسوا أبدا 11 سبتمبر، ولا تسمحوا للإسلام بترسيخ انتصاره بمسجد)، كما وزعت على المتظاهرين لوحات كتب عليها وباللون الأحمر (شريعة) وكتب على لافتة أخرى "سيمكنكم بناء مسجدكم في "جراوند زيرو" عندما نستطيع بناء كنيسة في مكة)! على أية حال أحمد المولى سبحانه فقد قابلت تلك المظاهرات، مظاهرات مؤيدة سار فيها مسلمون وشخصيات غير مسلمة رأت في بناء هذا المركز دليلا واضحا على التسامح وحرية الأديان في أمريكا.

وإذا ما لاحظنا هذا التحرك المفتعل للجمعيات الأمريكية اليمينية المتطرفة ضد الدين الإسلامي بشكل خاص ومسلمي أمريكا تحديدا، فإننا لا نستبعد مطلقا أن يؤول بعضهم احتفال المسلم الأمريكي بعيد الفطر المبارك على أنه احتفال بذكرى 11 سبتمبر، ولك أيها القارئ الفاضل تصور ما قد يخلفه هذا الاعتقاد من تحركات ضد الإسلام والمسلمين في عيدهم المبارك، وقد استشعرت صحيفة "يو إس أي توداي" الأمريكية أهمية هذه القضية على حياة الجالية المسلمة هناك، فذكرت: (أن الجالية المسلمة في الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ من أن يسيء الأمريكيون فهمهم لدى احتفالهم بعيد الفطر الذي يتزامن هذا العام مع الذكرى التاسعة لهجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001.) وأضافت الصحيفة : (إن هذا التزامن سيخلق سوء فهم وربما ما هو أسوء من ذلك في عام يواجه فيه المسلمون أصلا تصعيدا يستهدف دينهم ومساجدهم) في إشارة منها إلى الموقف المعارض من بناء مسجد قرب موقع هجمات 11 سبتمبر في نيويورك ودعوة كنيسة في فلوريدا لحرق القرآن الكريم في ذكرى 11 سبتمبر).

علما بأن مراكز الشرطة الأمريكية تلقت من الجالية المسلمة عدة مطالبات بتوفير تدابير أمنية خاصة لحمايتها من أي استفزاز يأتي من جهة المتطرفين اليمينيين يوم العيد، وأخيرا أعتقد أنه سيكون مناسبا جدا لو خصصت خطبة عيد الفطر هذا العام وفي كافة الولايات الأمريكية وفي الدول الأوربية أيضا لبيان موقف الإسلام الإنساني ورفضه التام للعمليات الإرهابية التي تستهدف الآمنين، لنقوم بذلك ليس ضعفا منا ولكن إظهارا لحقيقة هذا الدين وعظمته، ولرفع التهم التي يريد بعضهم إلصاقها بالإسلام، كما أعتقد أنه سيكون مناسبا لو كثفت خلال الأيام الباقية من شهر رمضان المبارك حملات إعلامية مضادة من قبل الجاليات المسلمة في أمريكا وأوروبا، فالوضع ليس هينا ولا ينحصر بحال من الأحوال في غيرة هؤلاء على ضحايا 11 سبتمبر، كما أني لا أستبعد أن يحدث تصعيد خطير يكون الغرض منه الإطاحة برأس أحدهم.!