كلفتني الجامعة بإجراء بحث يهدف إلى تدريب الطالب كأخصائي اجتماعي ميدانيا في المستوى الماضي، وقد خصصت لنا 3 مجالات: طبية وتعليمية واجتماعية، ومن المؤسف أن القطاع التعليمي شبه منعدم من دعم الخدمة الاجتماعية، لا سيما أن هذا يتزامن مع الظواهر السلبية في الحياة العامة، التي من الممكن أن تستجيب لها الخدمة الاجتماعية كمهنة، وتسهم في تجاوزها، وهذا إذا نظرنا إليها بصفتها نظاما ضروريا ومتخصصا لقيادة وتوجيه وإحداث التغير الاجتماعي، إذ إن من أهم أهدافها تأمين مستوى معيشي مناسب من الحياة لكافة أفراد المجتمع، إضافة إلى أن الرعاية الاجتماعية ـ بمختلف الاتجاهات التي يمكن أن تتبناها من خلال منظور ديناميكي ـ تعد أساسا لإيجاد التوازن والاستقرار الاجتماعي، ومدى نجاح سياساتها يُقاس بمقدار تجنب الوقوع في الأخطاء الناتجة عن التقصير والتخاذل وسوء التخطيط، خاصة في السياسة التعليمية، التي تعد واحدة من أهم قطاعات السياسة الاجتماعية.
ما زال التعليم يشكل حركة محورية غير ناجزة بالشكل المرضي، ولا زلنا نبحث عن طرق مجدية للجوء إلى سياسة واقعية مدروسة لإعادة وترتيب نظم التعليم، سواء بالتغيير، أم إعادة الصياغة، أم البحث عن الإصلاح؛ لأجل تجاوز واقع التخلف الذي يعتري مدارسنا وجامعاتنا، وحين نسلط الضوء على الوضع الناتج عن القصور الوظيفي الذي يفترض أن تقدمه الأسرة أو المدرسة، سنجد الكثير من شكليات الانحراف أو المخالفات أو الجنوح السلوكي والنفسي الذي يقتحم حياة الشباب والشابات، وهم الفئة المهمة في البناء الاجتماعي، فالكثيرون من المصابين بالتفكك العاطفي والأخلاقي الناتج عن انعدام التوزان من محيط الفرد الأسري أو التعليمي، جعل هذه المشاكل تتزايد، ولعل أخطرها ظاهرة المثلية، التي أسهم في ظهورها التقليد من باب أولى، ثم الاحتياج والجوع العاطفي الذي يعاني منه البعض، للدرجة التي جعلت هذه الظاهرة سائغة في أوساط المفاهيم الثقافية لدى النشء، حتى إن الفرد السوي لا يستنكر مشاهد الانحراف والتلميحات التي يستخدمونها ولو نأى بنفسه، وهذا يعني أن هناك الكثير من المشكلات التي أثرت سلبا في النظم الاجتماعية، ولم نوجد طريقة حقيقية للتصحيح من أجل مجابهة الانحطاط الذي وصلت اليه.
الحاجة ملحة وضرورية لدعم القطاع التعليمي بالخدمة الاجتماعية، فالسياسة التعليمية يجب أن تُبنى وفقا للاحتياجات التي يتحتم توفيرها، وإعداد فئة خاصة من الإداريين لأجل إنجاح المخطط التعليمي، وتطبيق أهدافها لتنظيم الحياة الاجتماعية في المؤسسات التعليمية، مما ينمي المسؤولية الاجتماعية في بيئة التعليم، وينعكس بالنفع لإشباع الاحتياجات ومواجهة المشكلات، فإيجادها يحقق اندماجا إيجابيا لتكوين نفسية الفرد مع محيطه، وإزالة المعوقات التي تحول بينه وبين الأهداف التعليمية، سواء أكانت مرتبطة بالأسرة أم المدرسة، ومع احترامي لمهنة الإرشاد الطلابي، إلا أنها لا تصل إلى مستوى الأخصائي الاجتماعي، ولا تغني عن وجوده، وبهذا فالانتهاج العلمي للعملية التعليمية يجب أن يحقق الأهداف الآنية التي نرجوها، لتكون مخرجات النظام التعليمي ذات مردود اقتصادي واجتماعي يتفق مع احتياجات الإنسان.