تعد الحوادث المرورية أحد الأسباب الرئيسة للوفاة في المملكة، ولا يخلو يوم من دون أن يكون هناك حوادث مرورية، وقد ينتج عنها وفيات، إضافة إلى إصابات مختلفة، وكثير منها سببت إعاقات بدرجات متفاوتة، وهذا الوضع بحاجة لدراسة علمية لتقصي الأسباب التي أدت إلى حدوث هذه الحوادث المميتة وكيفية الحد منها، ولو أخذنا مثالا واحدا على بعض الطرق المشهورة بحوادثها القاتلة، نجد أن الطريق الذي يربط محافظة بيشة بخميس مشيط بطول 200 كلم شهد في الأعوام القليلة الماضية العديد من الحوادث المرورية التي نتج عنها نحو 150 وفاة، وأكثر من 450 إصابة؛ فهناك أُسر بكاملها راحت ضحية هذا الطريق؛ ففي العام الماضي تم تشييع أسرة كاملة كانت ضحية حادث مروري على هذا الطريق، وتم إقفال منزلها إلى الأبد. وحقيقة الأمر أنني أتساءل ومعي كثيرون عن الأسباب الحقيقية التي جعلت هذا الطريق مصيدة للأرواح حتى أطلق عليه لدى البعض طريق الموت، والبعض الآخر يسميه طريق الذهاب دون رجعة.

وقد تعود الأسباب التي أدت إلى كثرة الحوادث المرورية القاتلة على هذا الطريق لعدة عوامل، وتسهم هذه العوامل بشكل منفرد، أو بشكل جماعي في حدوث الحوادث على طريق الموت، ومن أهمها: الوضع الحالي للطريق، إذ إنه طريق مفرد، ولا يوجد به إلا مساران للذهاب والإياب، كما أنه عند تنفيذه لم يتم مراعاة طبيعة الأرض، بل تم تنفيذه من خلال تتبع المسار الرملي للطريق الرملي القديم، وهذا المسار به العديد من المنحنيات الخطيرة جدا، ونظرا لكثرة الحوادث والوفيات بالجملة على هذا الطريق، صدرت التوجيهات بازدواجيته منذ زمن، وكان مشروع ازدواجية هذا الطريق ضمن الأولويات لمشروعات الإدارة العامة للطرق بمنطقة عسير على مدى السنوات الثلاث الماضية، وما يزال على قائمة الأولويات حتى يحصد أرواحا أخرى، ويزيد عدد الوفيات، والإصابات، ومع ذلك لم يبدأ هذا المشروع بالشكل المطلوب، وهذا يعني المزيد من الوفيات، وهنا أقول للجهات المسؤولة عن ازدواجية طريق بيشة الخميس، لا تنتظروا طويلا فكلما زاد الانتظار كلما زاد الاحتضار للأنفس البريئة، وأتمنى أن يتم العمل في "طريق الموت" من خلال عدد من الشركات المعروفة في التنفيذ الجيد لمثل هذه المشروعات وتعمل في آن واحد؛ لأن التنفيذ على مراحل يعني المزيد من الحوادث.

ويعد عدم انتشار الدوريات الأمنية على طول الطريق عاملا آخر يسهم في زيادة عدد الحوادث المرورية؛ إذ إن الدوريات المرورية لها نطاق بالقرب من المدن والمراكز القريبة منها، وهنا أرى أن مراقبة السرعة على هذا الطريق أساسية وستحد من الحوادث المرورية بشكل كبير، ويمكن أن يتم تفعيل نظام ساهر لمراقبة السرعة على هذا الطريق، وهناك حاجة لوجود أمن الطرق على هذا الطريق لمراقبته، ولمحاسبة غير الملتزمين بالسرعة على هذا الطريق الخطير.

العامل الآخر الذي يؤدي إلى الحوادث المرورية بين مستخدمي الطريق من قائدي السيارات، هو عدم الالتزام بالسرعة القانونية المحددة، والقيادة بسرعات جنونية، والتجاوز في الأماكن الخطرة، وكثرة المنحنيات على طول هذا الطريق، وكثرة الحوادث تكون نتيجة حتمية لغياب الوعي المروري بين مستخدمي هذا الطريق، وساعدهم على ذلك غياب المراقبة من الجهات المسؤولة، وأيضا غياب المحاسبة. لذلك من الضروري تبني برامج توعوية في مدارس التعليم العام والجامعي في هذه المحافظة بشكل مكثف مخصصة للآثار المترتبة على السرعة، وتوضيح أمثلة من الواقع، ويمكن أن تخصص بعض خطب الجمعة لمناقشة هذه المشكلة التي يعاني منها أبناء هذه المحافظة.

وحقيقة، إن الوضع على الطريق الذي يربط بيشة بخميس مشيط يجعله مصيدة للأرواح، والموت في حوادثه بالجملة، وكل ذلك نتيجة للعوامل الثلاثة الرئيسة التي تم مناقشتها في ثنايا هذا المقال، على أمل أن تجد هذه الجوانب اهتماما أكبر من المسؤولين في هذه القطاعات.