بعد أكثر من 15 يوما على متابعة قضية "لمى الروقي" أجدني في حيرة من أمري، من الذي سقط بالضبط، الصغيرة لمى أم نحن؟، وإن استقرت "لمى" على عمق 100 متر فإلى أي عمق وصلنا؟ وهل سقطنا فعلا أم أننا في هذا القاع منذ زمن؟. جاءت حادثة لمى لتؤكد فقط على سقوطنا، لتؤكد لمن كان يشك بأن واقعنا مملوء بالفوضى، لتضعه وتضعنا جميعا أمام تجربة يظهر الله من خلالها مقدار الفوضى والشتات الذي نعاني منه في أكثر من اتجاه.
عشرات الاحتمالات، عشرات التساؤلات، تساؤلات لا تبحث عن إجابة إنما لزرع الاستفهامات أكثر وأكثر. الكل يدلي بدلوه، الكل يغني على ليلاه، بلا حسيب أو رقيب ولا حتى مهنية أو رقي، إننا حتى في الكذب وخلق الإشاعات فاشلون، نكذب بلا هدف أو لأهداف غير سوية.
الصغيرة لمى.. أوضحت لنا إلى أي بيروقراطية سقطت بعض الإدارات الحكومية، بيروقراطية تجعلها دائما متأخرة عن متابعة المستجدات على الميدان. إننا لا نشك أبدا أن رجال الدفاع المدني قد بدلوا الجهد المضاعف من أجل إخراج لمى، لا نشك أنهم ينطلقون إلى أعمالهم بدافع ديني أولا وإنساني ثانيا، الخلل ليس في العاملين على الميدان، الخلل في البعيدين عن الميدان، الخلل في الإدارة شأنها شأن أغلب الدوائر الحكومية، جهات تعاني من بيروقراطية تعرقلها قبل أن تخطو، إدارات تباشر الحدث بعد أن يتلقفه الإعلام، حينها تتحرك لتلميع صورتها في المقام الأول، وكأنها الضحية!. يجب الاعتراف بأن أغلب الإدارات الحكومية - والدفاع المدني أحدها - تعج بالأخطاء، أبرز تلك الأخطاء أنها لا تتحرك إلا بعد وقوع الحدث، بينما المفترض بها أن تتحرك قبل أن يقع الحدث.
الصغيرة لمى.. أوضحت أيضا إلى أين بالضبط قد سقطنا فكريا وثقافيا، سقوطا جعل من عقولنا بيئات خصبة للأفكار الغارقة في التخلف. بعضنا آمن أن الجن هو المتسبب وهو الملام، وأن لمى لا تزال معززة مكرمة في عالم محجوب عنا لا نراه. بعضنا ذهب إلى أن جسدها لن ينتشله إلا أصحاب الكرامات!. بعضنا غط في نوم عميق ليبحث عن لمى في عالم الأحلام، الغريب أنهم قد حددوا مكانها بكل دقة، ومن هنا تتضح لنا ملامح بعض مفسري الأحلام وأنهم ليسوا أكثر من راقصين بارعين على عواطف الناس لتحقيق مكاسب واهية "خاسرون وإن حققوها". إن هذه الأفكار التي تندرج تحت بند "الخزعبلات" باتت داء عضالا يجب إيجاد الدواء الفوري له. أحلامنا إن كانت على هذا القدر من النورانية والتجلي، فلماذا لا تستعين بها الدول المتقدمة لحل مشاكل مجتمعاتها؟.
الصغيرة لمى.. أوضحت مدى السقوط الإعلامي الذي تعاني منه بعض الوسائل، وسائل إعلامية ما عادت تهتم بالحقيقة بقدر ما يهمها الفوز بـ"سبق" صحفي مفتعل تؤمن به البروز. وسائل إعلامية أجادت خلق بلبلة في المجتمع بكل براعة، أجادت تزييف الحقائق بكل جدارة، وكأن الحقيقة لا تعنيها!، إن المفترض بالإعلام أن يحارب الفساد ويكشف الحقائق لا أن يتفرغ لتحقيق المكاسب. متى يخرج الإعلام عن دائرة التضليل؟، فلم يبق إلا أن يكتبه الله كذابا.
بعض الإعلاميين راحوا يختلقون التهم تلو التهم والتشكيك في النوايا وتكذيب الأخبار، قالوا إنها لم تسقط في البئر، قالوا إنها في بيتها معززة مكرمة، راحوا يتهمون أقرب المقربين!، طرحوا عشرات التهم بلا دليل، غايتهم الصعود على جراح الناس والتلاعب الوقح بآلامهم، غايتهم أن يشار لهم وإن بالشتم والتقبيح. والمغردون "نحن" بدورنا لم نرحم جسدها الصغير، لم نرحم آلام أهلها، رحنا نتلقف كل خبر كأنه يقين، وحين لم يشبعنا ما تلقفناه رحنا ننسج التغريدات المضللة لتحقيق شهرة ستكون وبالاً يوم لا ينفع الندم.
إن فحوى الرسائل التي بعثت بها "لمى الروقي"، هو أننا نعاني من أزمة ضمير حادة جدا في أغلب الاتجاهات، والمتتبع للحادثة ولما وصلت إليه حتى اليوم حتما سيحتار، هل فعلا سقطت لمى أم إنها نزلت للبئر بكامل إرادتها؟، كأنها قد نزلت حتى تنتشل ضمائرنا من القاع، دون أن تدرك أن ما سقط في القاع قد تحلل وذاب وسال إلى باطن الأرض. كأنها حين أيست من انتشال ضمائرنا أرادت الصعود فواجهت قلوبا متحجرة تعيق طريقها، قلوبا غير قابلة لأن تلين.
ماذا أقول أكثر يا صغيرتي عن واقعنا الفوضوي؟ فقد أيقظتنا على حقيقة وضعنا، وحددت مكان ضمائرنا. فدعينا يا صغيرة ننعى واقعنا وأخبرينا عن رحمة رب العالمين، عن جنة لن يطأها المغرضون، عن نعيم لن يقربه المتاجرون بالآلام. أخبري من نجح في التحايل على قانون أهل الأرض بأن قانون الله لن يحابي المقصرين. إن ما مررت به يا صغيرة بكل مقاييسنا "مأساة" فأخبرينا أن لله مقاييس عنوانها "عدل ورحمة".