قرأت قبل فترة رواية "خيانة في البندقية" للكاتب "ستيف بيري"، التي تدور أحداثها حول افتتان البعض بالتاريخ والماضي، واعتباره الوسيلة الوحيدة لكتابة المستقبل والسيطرة عليه، وذلك من خلال حبكة امتزجت فيها مؤامرات سياسية وأسرار حكومات وجماعات خفية، تعمل على خلق أسلحة جرثومية للسيطرة على مصائر الناس، وابتكار الأمراض للهيمنة على أرواح البشر المبعثرين بين رغبة الحياة والانجراف خلف هاجس الغد المبهم.
أثارت هذه الرواية لدي عدة أفكار، طالما كانت كذلك محور حديث الناس واختلافاتهم بين من يشكك وبين من يؤكد أن هذا العالم الذي نعيش فيه بكل ما فيه من تغيرات وتبدلات في المناخ وفي الطبيعة، ما هي إلا صنيعة الإنسان، وهو رأي أصبح أكثر المؤمنين به يقولون ذلك من باب التكهن المبرر لواقع حقيقي لكنه غير طبيعي.
في خاتمة الرواية، هناك فصل قصير يفرق فيه الكاتب بين ما هوحقيقي وما هو متخيل بخصوص الأحداث السياسية والأشخاص والقصص التاريخية والمعلومات التي استخدمها لصياغة حبكته، التي كان للإسقاط التاريخي فيها نصيب الأسد؛ في ربطه للأحداث من جهة، وتبريره للقرارات والنوايا التي سيّرت أحداث الرواية.
ولكن على الرغم من أن الكاتب حاول الفصل إلا أنه بفضل صياغة الأحداث وربطها كما فعل قام بتحريك أفكار حول حقيقة ما إذا كان العالم كما نعيشه اليوم هو صنيعة الصدفة كما يقول البعض، أم أنه صنيعة الإنسان بكل ما فيه من جمال وقبح؟
الإسكندر الأكبر الذي كان هاجس "زوفاستينا" رئيسة دولة اتحاد آسيا الوسطى في الرواية، ما هوإلا تناقض وربما تطابق بين ما هوغربي ثائر يتحدى الزمان والمكان، وبين ما هوشرقي محافظ رافض للتقدم والمساواة، وإن كان ذلك في تعبير سياسي وبحبكة متداخلة.
هل مرض الإيدز صنيعة الإنسان كي يظهر منقذ أسطوري مصنوع لينعم على البشرية بالدواء المنقذ عبر استعانته باكتشاف راعي غنم اكتشف الدواء منذ عقود، وليجد حلولا لأمراض هذا الزمان التي تسمت بأسماء الحيوانات، فتارة الطيور وتارة الخنازير وأخرى البقر، كل ذلك ليصبح الإنسان عبدا للإنسان، وتصبح السياسية وسيلة لخلق وقائع ما هي إلا في مخيلتنا حقيقة، بينما الحقيقة المجردة تبقى حبيسة أذهان مجموعة من يطلق عليهم المجانين والمؤمنون بنظريات المؤامرة.