الإعلام الحديث بكل قنواته، من "يوتيوب" إلى "تويتر" إلى "فيس بوك"، وحتى "الواتس أب"، الذي أعده من أهم وأقوى تلك القنوات الإعلامية الحديثة، يمد يده وفكره للتواصل مع الآخرين، وما يميزه كإعلام حديث، أنه فضاء حُرّ، ليس له رقيب غير الرقيب الذاتي.
تلك ميزة مهمة بالطبع للإعلام الحديث، ولكنها للأسف، تم استغلالها بطريقة خاطئة، في فهمنا المغلوط عن حرية التعبير، الأمر الذي ضاع فيه المبدع الحقيقي مع غير المبدع، والواعي مع نظيره غير الواعي.
مسألة الوعي هذه، تجرنا إلى الحديث عن الكوميديا كفن وإبداع، له أُطره وأدواته ومفاهيمه، التي للأسف الشديد، غابت عن كثير ممن يتعاطون قنوات الإعلام الحديث.
ما نراه في قنوات الإعلام الحديث، هو سيل عارم من الفيديوهات، التي ينطلق بعضها القليل من وعي حقيقي لأسس الكوميديا، وهناك بعض أطروحات قناة صاحي الاجتماعية كدليل على أن هناك كوميديا تناقش هموم الإنسان في قالب فني قريب من المعقول، وأمّا السواد الأعظم من تلك الفيديوهات، فلاعلاقة لها بالكوميديا كفن، وإنما هي مجرد نكتة مصوّرة، أو استخفاف دم على هيئة ملف فيديو لا أكثر، والأدهى والأمر من ذلك، من يحاولون إضحاكك من خلال حركات الوجه أو الجسد، أو الصراخ، وتلك كلها مجرد "إفّيهات" مضحكة، لكن لا علاقة لها بفن الكوميديا، لا من قريب ولا من بعيد، وإنما هي فيديوهات استهبال، بمجهودات شخصية، لا عمق فيها، ولا فكر، ولا كوميديا، ولا قضية.
السبب الكبير لحدوث كل هذا، والواضح جدا، هو المساحة الواسعة التي تمنحها قنوات الإعلام الحديث للناس، حابلهم والنابل، دون رقابة، أو على الأقل فرز مضمون ومحتوى وفلترة لما هو إبداعي والعكس، إضافة إلى سبب آخر مهم، وهو تدني الوعي لدى المستخدمين لهذه القنوات، والمتعاملين معها، وفيها.