برزت موضوعات "هوية الأدب" وعلاقته بـ"الآخر"، إضافة إلى "علاقة الصورة بالنص" المرئي، خلال أوراق ونقاشات جلسات مؤتمر الأدباء السعوديين الرابع، التي عقدت مساء أول من أمس وأمس. واستهلت الجلسة الخامسة للمؤتمر بورقة "إبراهيم زيد" وعنوانها بلاغة (النص المرئي والمكتوب القصيدة والصورة الفوتوجرافية)، أشار فيها إلى أن علاقة الصورة الفوتوجرافية بالقصيدة، نمط مغاير لتلك النصوص التي ارتبطت فيها القصيدة بالفنون البصرية المختلفة ضمن مسارين، نظري يناقش هذه العلاقة بوصفها سياقاً يندرج تحت سياق أكبر هو علاقة الشعر بالفنون كافة، وتطبيقي يسعى إلى استثمار ما يمكن أن يصل إليه الأول من نتائج. كما طرح بدر المقبل ورقة عنوانها "عتبات النص بين الكشف والتضليل الرسوم والصور على الغلاف الأمامي للرواية السعودية أنموذجا"، أكد فيها أن علاقة الفن التشكيلي والتصوير الضوئي بالرواية السعودية يؤكد مدى تفاعلها مع معطيات بعض الفنون البصرية. والمدخل النقدي الذي يلج من خلاله (عتبات النص)، وتحديداً غلاف العمل الإبداعي وما تشتمل عليه لوحة الغلاف من علامات غير لغوية متمثلة في الرسومات التشكيلية، والصور الضوئية، والتصاميم الهندسية، وغيرها من الرموز التي يوظفها المبدع.
كما طرح د. محمد ربيع الغامدي، ورقة تحدثت فيها عن (أدبُنا المسرحِّيُ: غائب هو أم المُنْبَتُّ؟) قال فيها إن الورقة تدور حول مشكلة أن الأدب السعودي حقق وفرة في مختلف الأجناس الأدبية، ووصلت نماذج أدبية سعودية إلى منصات التتويج غير مرة، يستثنى من ذلك الأدب المسرحي الذي لم تتحقق له وفرة ظاهرة رغم بروز بعض من العروض المسرحية السعودية ورغم عراقة التأليف المسرحي في المملكة العربية السعودية، وقسم الغامدي المسرحية في الأدب السعودي.
وتحدثت ندى يسري علي، عن (رهاب الآخر ـ الزنوفوبياـ في رواية العصفورية لغازي القصيبي)، تناولت فيها ثنائيات طرحها العمل من خلال السرد مثل الشرق والغرب، العرب والصهاينة، العقل والجنون، الطبيب والمريض، المثقف والسلطة، الرجل والمرأة، الأبيض والأسود، الفقير والغني. وفي ورقة (الخطاب الأدبي في رسوم الكاريكاتير: كاريكاتير محمد الخنيفر أنموذجاً) للدكتورة كوثر القاضي، التي رأت أن التعليقات القصيرة في رسوم الكاريكاتير جملة نصية مستقلة بذاتها تحمل رسالة للمتلقي، وكأنها تختزل نصوصا كاملة، فهي تلقي في ذهن المتلقي ووعيه بحمولات لفظية مكثفة.
وفي الجلسة التي تليها وأدارها محمد الحرز، ركزت الأوراق المطروحة في محور "الإبداع في مواقع التواصل الاجتماعي" على سلبيات النشر الأدبي في مواقع التواصل الاجتماعي، وحاولت أوراق أخرى إبراز إيجابيات هذا النشر وتأثيره في المجتمع وقدرته على إيصال النص الإبداعي إلى فضاءات أوسع.
ففي ورقة فهد الخليوي، تناول الخواص التي يحظى بها الفضاء الرقمي، معبراعن أسفه لاحتواء بعض صفحات المواقع "أفكاراً شريرة تروّج لها مخلوقات قال إنها ضربت بالنزاهة عرض الحائط، وأصبحت تنشر ثقافة الظلام وتحرّض على تأجيج الفتن الطائفية".
وفي ورقته ذكر سعد الثقفي، أن المشاركات الإبداعية الإلكترونية تحتوي أخطاء قد لا توجد في الكتابة الورقية وقد تكون على مستوى ضعيف، كما أن من مشكلات النشر الإلكتروني استخدام اللغة العربية فقط، مما يحجب المبدع عن كثير من المتلقين ويبقى الإبداع محصوراً في العربية ما قد يُبرز الحاجة للترجمة.
وانتقد الثقفي "عدم الجدية" في النشر قائلاً إنها تقلل دائماً من الاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي، مقارناً بين نشر إبداع باللغة الإنجليزية في الفيس بوك وآخر باللغة العربية، حيث بلغ التفاعل في الأول حسب عملية إحصائية أجراها 99% بينما لم يتجاوز في نظيره العربي إلا 0.6%، مرجعاً ذلك إلى اقتصار التفاعل العربي على المجاملات الخالية من الجدّية.
واختتم الباحث محمد الفوز، الندوة بورقة حول "الوعي بالكتابة في مواقع التواصل الاجتماعي"، قال فيها إن الدخول إلى عتبة الإنترنت أقل حدة من الواقع وأكثر انطلاقاً، حيث إن الأفكار مجنحة وذات حرية تجعلك تتجرد من وعيك القديم وأحكامك المسبقة.
وحول المحتوى العربي مقارنة بالمحتوى العالمي في مواقع التواصل الاجتماعي انتقد الفوز غياب تأثير الحضارات العربية التي أُسست أهم وأقدم الجامعات في التاريخ ليس لها ممارسة في الفضاء الاجتماعي.
أما الجلسة السادسة فبدأتها سحر شريف، التي تطرقت في ورقتها إلى موضوع "تأويلات الآخر في النصِّ النقديِ السعودي: دراسة في المفهوم"، وأشارت الباحثة إلى أن مصطلح (الآخر) يوحي بالنظرة التنافسية أو العدائية تجاه ما هو خارج عن حدود (الذات) سواء أكانت تعبّر عن الفرد أو الجماعة. وقد اختلف تناول كل منهم تبعاً لفهمه لمصطلح (الآخر)، مما أدى إلى تباين وجهات النظر وثراء النص النقدي السعودي.
تلا ذلك ورقة الدكتور سعيد السريحي، الذي تطرق إلى (العلاقة بالآخر.. السؤال التأسيس)، والذي قال: سواء اتفقنا أو اختلفنا على اعتماد الهوية الوطنية بأبعادها التاريخية والجغرافية ومقوماتها السياسية والاقتصادية والثقافية معرفاً للأدب، يحق لنا معه أن نتحدث عن أدب سعودي وآخر مصري وثالث كويتي أو إماراتي فإنه بإمكاننا أن نتخذ من موضوع مؤتمر الأدباء السعوديين الرابع "الأدب السعودي وتفاعلاته" مؤشراً دالاً على مفهوم الآخر ومدخلاً لمقاربة المحور الثاني من محاور المؤتمر، والذي تم تحديده تحت عنوان "الأدب السعودي والآخر". مضيفا بأنه لم يقترح مؤتمر الأدباء الرابع ومنظموه نسبة الأدب لهوية أدبائه الوطنية، ذلك أنها نسبة أخذت بها بعض الجامعات السعودية في مناهجها حتى أصبحت مقرراً جامعيًّا من مقرراتها، كما أنها نسبة درج على اعتمادها كثير من الكتاب والأدباء حتى باتت من الأدبيات التي يتعاطاها الكثيرون من المنتمين للمؤسسات الثقافية والإعلامية سواء كانوا من المختصين أو غير المختصين، مشيرا إلى أنه حين ننطلق من مفهوم الأدب السعودي ونتواطأ مع هذا المفهوم لأغراض بحثية فإن الآخر سوف يصبح كل من لا ينتمي لهذه الهوية سواء تموقع خارج الحدود أو كان ممن يقيم بيننا لعقود طويلة، وسواء كان هذا الآخر عربيًّا توحد بيننا وبينه اللغة والإرث المشترك أو كان من شعوب المايا الذين لا نعرف بأي لغة يتحدثون ولأي تراث ينتمون. وإذا كان تحديد الآخر يمتد أفقيًّا عبر المكان فإنه يمتد عموديًّا عبر الزمان كذلك، فخليق بالمحددات التي يفترضها الأخذ بمصطلح "الأدب السعودي"، أن يجعل من كل تراثنا الأدبي وأعلامه ممن سبقوا بروز الهوية السعودية كهوية وطنية آخر يختلف عنا ونختلف عنه.
وذهب السريحي إلى أن مفهوم الآخر مرتبط بمفهوم الهوية، وكلما ضاق مفهوم الهوية اتسع مفهوم الآخر وبقدر ما يتم ضبط مفهوم الهوية يتم ضبط مفهوم الآخر كذلك، وحين تتصل المسألة بالأدب فإنها عندئذ لا تخلو من نزعة محافظة تستعصم بصرامة التحديد الوطني القطري لمفهوم الهوية، وتسقطه على الآداب والفنون كي تضمن عدم أي تجاوز يمكن أن تغري به حرية الإبداع لا يتلاءم مع ضوابط الهوية الوطنية.