منذ نحو العام وأنا أتابع بشيء من الالتزام المدرسي قنوات ناشيونال جوغرافك وديسكوفري وهيستوري، فقد اكتشفت بعد سنوات عديدة من متابعة القنوات الإخبارية والترفيهية أن معظم ما تتضمنه تلك القنوات ليس أكثر من سم حقيقي يقتل تدريجيا الروح والمشاعر والأمل بغد أفضل.

فالأخبار يسهل جدا الكذب والتدليس في محتواها، فتجد قناة تتحدث عن انفجار، متهمة طرفا معينا بأنه يقف خلفه، في حين تخرج منافستها لتصف الحادثة بأنها من تخطيط وتنفيذ خصم ذلك الطرف، ليتمخض عن ذلك حوار سفسطائي بين "الجمهور" يؤيد فيه أحدهم طرفا، وآخر يخون الطرف الآخر، في وقت لا لهذا أو ذاك أي علاقة جغرافية بما حدث سوى ترديد عدد من الديباجات السياسية التي أكل عليها الزمن وشرب.

لم تعد تستهويني قنوات الترفيه كذلك، فهي ابتليت بكم هائل من التوجيه التسويقي ليفقد الترفيه كثيرا من محتواه الإنساني والمعلوماتي والذي طالما كان من أهم مكونات العمل الإبداعي، فأصبحت المسابقات الغنائية تتجاوز الإبداع الفردي إلى تهريج من نصبوا حكاما على المواهب، وليكون البرنامج مسرحا لجذب المحبين للفرقعات الفارغة من محتوى حقيقي، فيقضي المشاهد ساعتين أو جل وقته، موزعا ما بين إعلانات تجارية وقفشات استهتارية سخيفة لذلك الحكم أو ذلك المشارك.

قناعتي اليوم هي أن القنوات التي تقدم البرامج الوثائقية وإن اختلفنا في محتوى بعضها أو شككنا في أن بعضها الآخر موجه ويحمل أجندة سياسية، إلا أنها بالمجمل لا تتحول إلى مسرحية شعبية يتخاصم فيها الأشقاء، أو تزرع في مخيلتنا تبلدا من مشاهد الموت والتفجير والقتل التي ابتلي فيها صغيرنا قبل كبيرنا، بل ما تقوم به هذه القنوات في عصر السرعة هو أشبه بما تقوم به الكتب والمؤلفات التي تلخص للمتلقي وقائع التاريخ أو العلم أو الطبيعة، فيخرج المشاهد بكمية كبيرة من الفائدة التي توازي في أحيان قراءة كتاب كامل أو رواية فلسفية عميقة.

لو كنت مسؤولا عن التعليم في أي من الدول العربية لقررت أن تكون هناك حصة أسبوعية أو أكثر لمشاهدة البرامج الوثائقية التي تنتجها المؤسسات الدولية المعنية بالعلوم والطبيعة والتاريخ، ولجعلت حلقات النقاش والتفكير بين الطلبة أساسا للنجاح والعبور، فقد أثبتت الدراسات أن التلفزيون هو أهم وسائل التأثير في الأطفال قبل الكتاب أو المذياع أو التدريس الوجاهي، لذلك نجد أن شركات تسويق المنتجات قد استغلت غياب مؤسسات التعليم والتنشئة عن الاستفاده من التلفزيون لتحتكره لصالحها بالكامل لخدمة أهدافها التجارية.