لا أحد يتحدث عن تعديل أو إصلاح أو تقويم ما يحدث في مهرجان "أم رقيبة". كثيرون مندفعون لإلغائه، هكذا وبحماسة جارفة مفعمة بالنصائح والمبالغات الساخرة والبكائيات.

"أم رقيبة" تمثيل حقيقي لفكرة "اقتصاديات الصحراء"، تنمية بوسائل شديدة الذاتية، لا تكلف الدولة شيئا، تعيد بعث روح التنافس التي تم اختصارها عقودا في كرة القدم. وزعت الدولة فكرة الاقتصاديات الذاتية على المناطق ونظمت المهرجانات التسويقية، فنالت نجران مهرجان الحمضيات، ونالت الجوف مهرجان الزيتون، واختصت بريدة بمهرجان التمور، وحائل براليها الشهير، وجازان بمهرجان المانجو، والنعيرية بمهرجان الربيع، وكان نصيب حفر الباطن "أم رقيبة" صيغة من صيغ التنافس بجودة الإنتاج، محاطة بجو حماسي لا يضر أحدا ولا ينقص حق أخر.

فكرة بسيطة تواجه تيارا هائلا من التهم والذين يسوقون تلك التهم لا يثبتون دليلا واحدا ولا مخالفة رغم 13 عاما من عمر المهرجان، بل توسعة لعباءة رعب اجتماعي افتراضي، قوم يجتمعون في مكان ناء يتنافسون فيما بينهم، لم يقطعوا طريقا، لم يسرقوا شيئا، لم يعتدوا لا لفظيا ولا جسديا ولا فكريا على أحد. يدفعون أموالهم لاقتناء حيوانات دفع أسلافهم أرواحهم ودمائهم دفاعا عنها منذ بدء الخليقة، تغنوا وتفاخروا وتكنت قبائلهم وعوائلهم بها، قد لا يجد فيه البعض ما يجذب وهذا حقه، لكن كل هذا التحشيد والسخرية والروح المستفزة ضد المهرجان غريبة.. ولو كنت في مقام نصح للجان القائمة على تنظيم مهرجان "أم رقيبة" لرجوتهم أن يركزوا على دعوة وسائل الإعلام من دول وثقافات العالم المختلفة، تلفزيونية، صحافية، لتنقل شيئا من صورتنا كمجتمع ما قبل النفط قبل أن يطويها النسيان وتذوي في الزمن، صورتنا التي نحاول نزعها من خلفيتها الإنسانية دون نقاش حقيقي بل بقطيعة فكرية وافرة الشروط تحاول دائما ربطا عكسيا بين ما هو إنساني فطري متمظهر ثقافيا كهذا المهرجان وبين سياقات الحداثة والتطور.. وهذا ظلم كل المجتمعات الإنسانية، حتى الحضارية والمتقدمة لها "أم رقيباتها".