في وزارة التربية يتم بناء المواطن الصالح، فهل هي قادرة على صياغة عقول أبنائنا وبناتنا؟ وهل هي مؤهلة لتشكيل الشعب الذي يؤمن بالوطن ويتفانى في وحدته وسيادته واستقلاله وتضامنه وأمنه وتقدمه وتطوره؟ أم أنها تعمل خارج إرادة وسياسة الدولة والقيادة فيها وطموح المواطنين المخلصين لوطنهم؟ وهل التعليم بفرعيه العام والعالي قادر على مساعدة الدولة للتقدم بهدف مواكبة التطور وتحقيق المكاسب للمجتمع؟ ثم هل التعليم يقدم لنا التربية المفقودة؟

إنها الوزارة المسؤولة عن منظومة القيم والأخلاق التي يجب أن تزرع في عقولنا، ثم إن هذه الوزارة أمانة لأنها من يجب عليها صياغة عقولنا وتهذيب سلوكنا وتنمية قدراتنا وتحويلنا إلى مبادرين وعاملين ومخلصين في جميع أنحاء وطننا.

الخونة واللصوص في كل إدارة ومؤسسة والمجرمون ومروجو المخدرات والمعتدون على الأمن ودعاة التضليل والانحراف بكل أشكاله، والمخلصون والغيورون والمبدعون والمنتجون والوطنيون والشرفاء والمصلحون والصالحون والأمناء والعلماء والجنود والأطباء والمعلمون والمهندسون وكل من يعمل في قطاعات الدولة وفي المؤسسات الخاصة، هم من خريجي مدارسنا وجامعاتنا. والسؤال: هل هذا المخرج الوطني صالح أم فاسد؟ أعتقد أن هناك وجهات نظر مختلفة حول هذه القضية ولكن سلوكنا وممارساتنا وتصرفاتنا وعملنا وكيفية عيشنا تجيب على هذا السؤال. تصرف الدولة على التعليم صرفا كريما، ولكن كمن يصب الماء في قربة ممزوقة، فلا يبقى فيها من أثر ذلك الخير الكبير ما يستحق أن يذكر مقارنة بما يصرف وما يقدم في بلدان عربية وغير عربية حتى اتسع الخرق على الراقع. وهذا لا يعني الاستمرار في سكب الماء. والحل ليس في الترقيع، إنما الحل في تغيير القربة واستبدالها بوعاء آخر.

لقد تحول بعض خريجي وزارة التربية والجامعات من أبناء المجتمع إلى معطلين وعاطلين ومخربين، وتمكنوا من تعطيل حركة التربية وتجددها وتطويرها الذي يجب أن يحمينا حتى لا نقع فريسة تخلفنا في وقت تتطور فيه الدول وتحقق الإنجازات لشعوبها التي ليست لديها أبسط المقومات ولا الجزء اليسير مما حبانا الله به.

لقد تراجع التعليم من الناحية النوعية وتقدم بشكل كبير من الناحية الكمية، ولكننا كغثاء السيل. ليس لهذا التوسع الكمي أي قيمة أمام التطور النوعي المفقود، فالكمي يفرز البطالة والفساد والجريمة وعدم القدرة على القيام بالواجبات. لقد تحول التعليم إلى ضمان اجتماعي، بينما التعليم النوعي هو من يحقق الإنجازات والنجاحات والإبداع والابتكار والمبادرات، بل هو من يحدث التغيير الذي ينهض بالدول والمجتمعات.

خمسة ملايين طالب وطالبة، نصف مليون معلم ومعلمة، أكثر من ثلاثين ألف مدرسة، أرقام كبيرة ولكنها في تأثيرها الفعلي في سير التنمية نزيف للمال وللمؤسسات وللطاقة وللخدمات وهدر لأموال الأسر والمجتمع.

أنتج التعليم مواطنين لا يعرفون معنى الوطنية التي تعني العمل والولاء، ليس للدولة فقط، ولكن لإخوتهم المواطنين وللأرض وللزراعة وللمصنع وللشارع وللمؤسسة وللطرقات وللغابات وللمياه وللحيوانات وللبيئة ولكل مكونات الوطن وإمكاناته. الوطنية لا تدرس ولا تعلم، الوطنية تمارس، بل إنها حياتنا اليومية في مساجدنا وشوارعنا وأسواقنا وبيوتنا وعقولنا.

الوطنية الحقيقية ليست نصوصا تعلمنا التاريخ والجغرافيا ولا بعض الواجبات الدينية. الوطنية هي العمل والعمل بكل صدق وأمانة وإخلاص في كل مكان. نحن أمة لا نعمل وبالتالي انخفضت لدينا الوطنية لأن الوطن تحول عند البعض إلى ملجأ يأكل ويشرب ويقيم فيه دون أن يعرف دوره ووظيفته فيه. الوطن يحتاج إلى سواعد وعقول أبنائه وبناته حتى يعرفوا حب الوطن. الوطن ليس الوظيفة ولا الراتب. الوطن والمواطنة والوطنية والمواطن مصطلحات ومفاهيم عملية تعني تشبثنا بالوطن وتفانينا فيه وانغماسنا في حقوله وأرضه ومؤسساته. هذه القيم وهذه المفاهيم نتعلمها أولاً من الأسرة التي تكون فيها المسؤولية على الوالدين والأقربين، ثم على المدرسة والجامعة وغيرهما من مؤسسات الوطن.

إنني أركز على مفهوم العمل وكسب العيش الحلال وعلى الارتباط بالأرض لأن العمل أهم مقومات المواطنة والوطنية. كثيرون ينتقلون من أوطانهم للمواطنة في بلدان أخرى ويتحولون إلى مواطنين نتيجة عدم توافر العمل في بلدانهم الأصلية لهم وخاصة الطاقات المؤهلة. لا يمكن أن تتحقق المواطنة إلا بتكريس روح العمل حتى التطوعي والخيري في مؤسسات الوطن المختلفة، لأن العمل هو المواطنة، هو الانصهار في الوطن وفي مؤسساته والاندماج في المجتمع، ولهذا وجب استبدال مقرر التربية الوطنية بمقرر عن العمل والمهن يستمد مرجعيته من القرآن والسنة ومن النماذج من الرواد في شتى الميادين، حتى يحبب المواطنين في العمل ويكون أول أداة لمحاربة البطالة في عقولنا وأسرنا ومجتمعنا ومؤسساتنا، ويعلمنا الاعتماد على أنفسنا.