وغاية الوعظ كثيرا ما بررت وسائل المبالغة واستغباء المتلقين والتجاوزات غير المقبولة والتطفل على الخصوصيات والتدخل بعلاقات الناس بربهم انطلاقا من سوء الظن بالآخر وتزكية النفس بالضرورة.
ويذهلنا انتشار هذه الروايات السقيمة كانتشار النار في الهشيم، فأينما نذهب نجد من يتبناها ويروجها مبهرة بالمزيد من لوازم الإثارة والتأثير، ومما تعجب له أنها تتعارض وأكثر الأحاديث شهرة وتداولا بين الناس، لكنها تطفو وتحتل الصدارة عند متلقيها الساذج.
في إحدى أسمج هذه الروايات ما يتباهى به راويها من أنه باشر حادثا مروريا راح ضحيته أحد الشباب فأمسك بالشاب يلقنه الشهادة ويقسم الراوي: "إن رأسه كانت مهشمة وجمجمته محطمة قائلا: ووالله العظيم يا إخوان إن عظام جمجمته في يدي وأقول له قل لا إله إلا الله، ويأبى ذلك والعياذ بالله". وحقا العياذ بالله، فمن الطبيعي أن يأبى ذلك طالما عظام الجمجمة بين يديك فمؤكد أن جميع الحواس معطلة. وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة، ومحيت عنه بها خطيئة ". فما ظنه بالله بشاب تحطمت جمجمته؟
وفي رواية شهيرة أخرى، لا تقل سماجة، تقول إحدى المغسلات- وإذا قلنا المغسلات فتوقع العبر ما بطن منها وما ظهر - تقول إنها كانت تغسل فتاة ترتدي بنطالا ضيقا وعجزت عن وضعه عنها فجاءت بمقص وقصت جزءا منه فأذهلها تساقط اللحم مع البنطال فاتصلت بأحد المشايخ فقال غاضبا: ادفنوها بمنكرها!
ولنفترض أنها ترتدي البنطال عند محارمها فما هو المنكر الذي تدفن به؟
عدا ما يفسرون به ازرقاق واسوداد واصفرار واحمرار الوجوه وربطها – دون تردد - بالنار والجنة، وهم أجهل الناس بما تمر به الجثث من مراحل الترمم وتأثرها بمرور الوقت وعوامل الطقس!
الدعوة لله لا تقتضي كل هذا الكم من الفظاظة والجبروت ويجب أن تمنع هذه الخطابات الفجة ممن يملك منع هؤلاء، فإن لم فواجبنا أن نقابلها بالنبذ والاستياء لا الترديد والتعجب، ففضلا عما تنطوي عليه من سوء ظن بالمسلمين وتجاوز لحرماتهم وتطاول على نواياهم، فهي أيضا تتطاول على رحمة الله وقداسة العلاقة بينه وبين خلقه، وليتعظ هؤلاء الوعاظ الجهلة من موقف المصطفى صلى الله عليه وسلم حيال أسامة وسؤاله الغاضب: "هلا شققت عن قلبه؟". فهلا شقوا عن قلوب ضحاياهم؟