رغم تقارير الأضرار الطبية المتكررة، وبخاصة الصادرة من متخصصي الأمراض الجلدية، حيال الانعكاسات الناتجة عن شراء ما يسمى بـ"الملابس المستعملة أو المستخدمة" مسبقاً، فإن الرصد الميداني الذي قامت به "الوطن"، بعد انتهاء إجازة عيد الفطر المبارك، شهد اتساعاً في منافذ بيعها في جدة.
في الطريق الرئيسي المؤدي إلى أحد أشهر أسواق جدة الشعبية المعروف بـ"حراج الصواريخ"، تستطيع أن تشاهد من خلال رؤية واسعة كثرة البائعين لهذا النوع من الملابس، من الجنسين، يوازيه في المقابل إقبال من الجنسين أيضاً على شراء "الملابس المستخدمة".
"ملابس تناسب الجميع"، عبارة كان يرددها بائع "من الجنسية الصومالية"، الذي افترش مع عائلته مساحة واسعة لبيع جميع المستلزمات النسائية والرجالية، إضافة إلى مستلزمات الأطفال والفتيات "ذكوراً وإناثاُ"، وبأسعار رمزية تتراوح ما بين 5 إلى 10 ريالات.
منظر "تقليب الملابس"، في تلك المساحات، من جانب المستهلكين القادمين من أماكن بعضها بعيدة، هو الصورة العامة التي يمكن التقاطها من أي زاوية أردت، وأينما يممت وجهك وجدت هذا المنظر يلازمك على الدوام.
"نقاش بيعي"، اقتربت "الوطن" منه بين بائعة ومشترية من الجنسية الفلبينية، نوت بعد جهد من البحث بين أكوام تلك الملابس، في الحصول على ضالتها وهو "معطف نسائي" يحمل اسم ماركة عالمية، قررت تلك السيدة شراءه بزيادة عن السعر العام بـ"15" ريالاً، مع محاولتها تقليل المبلغ إلى "10" ريالات"، لكنها لم تفلح البتة في إقناع البائعة وشقيقتها.
حينما تسأل "الباعة" الموجودين في تلك المنطقة، هل يمكن أن تنقل "الملابس المستعملة"، الأمراض الصحية المعدية؟ يجيبونك على الفور بـ"الإيجاب"، ثم تفاجأ عندما تسألهم عن وجود مداهمات من قبل الجهات المعنية لهذا النوع من البيع المخالف للأنظمة المحلية، يجيبونك مع ابتسامة عريضة بـ"النفي".
وبحسب مصادر خاصة لـ"الوطن"، فإن الجهات المعنية بهذا النوع من الأنشطة غير المشروعة، هي أمانة محافظة جدة "ممثلة في بلدية الضاحية وفرقها الميدانية"، ووزارة التجارة والصناعة "فرق مكافحة الغش التجاري"، ولم يتسن للصحيفة الحصول على تعليق رسمي من قبل المتحدث الرسمي لأمانة جدة المهندس سامي نوار، رغم الاتصالات المتكررة عليه.
مصادر جمع هذه الملابس متعددة بحسب حديث البائعين، وتتموضع في عدة خانات، كجمعها من منازل المتنازلين عنها، فيما يلجأ بعضهم إلى طريقة أخرى كشرائها من جامعيها بمواصفات معينة، عبر شراء كامل الملابس بالجملة، ويطلق على هذا الشراء بالعرف المحلي "البقشة". وآخرون يأخذونها من الجمعيات الخيرية الإنسانية كهبة خاصة في شهر رمضان، ليعيدوا بيعها من جديد مرة أخرى.
ومن جانبه أشار الاختصاصي في الأمراض الجلدية وسام الخالدي إلى أن "البهاق والجرب" يتصدران قائمة الأمراض الصحية، من الاستعمال المفرط للملابس الجاهزة، وقال لـ"الوطن"، إن اتساع "منافذ البيع" يدل على غياب واسع في "التوعية الصحية" وخطورة كبيرة من الآثار الجانبية في بيعها.
وكانت ظاهرة بيع "الملابس المستعملة" قد عرفت في بداية القرن السابع عشر الميلادي بالقارة الأوروبية، عن طريق تخلص "العائلات الميسورة" من ملابسها الفائضة، حيث كانت تقدم للفقراء والمعوزين، لتنتقل بعد ذلك إلى مرحلة تصديرها لفقراء دول ما يعرف بـ"العالم الثالث".