أعاد تعيين الأمير خالد الفيصل وزيرا للتربية والتعليم الأذهان إلى "المنهج الخفي والمنهج المعلن"، وهي ندوة رئيسة تبناها الأمير خالد، في إحدى سنوات ازدهار ملتقى أبها الثقافي، فحركت الكثير من أسباب الجدل حول دور المؤسسات التربوية في نشر بعض الأفكار المتطرفة في المجتمع السعودي، مما أدى إلى ظهور جماعات إرهابية تقتل وتخرب باسم الدين.

الكثيرون – حينها – سواءً أكانوا من المتحدّثين الرئيسين في الندوة، أم من المداخلين في أثنائها، أم من الذين علقوا عبر مقالات الرأي في الصّحف، ومن خلال المنتديات الإلكترونية التي كانت رائجة عندئذ، أعادوا المشكلة إلى "المنهج الخفي"، وقلما تنبّه أحد منهم إلى وجود مشكلات في أخيه "المعلن".

على المستوى الشخصي، درستُ في المرحلة الثانوية مناهج رسميّة معلنة مشوبة بالكثير من الأفكار التكفيريّة؛ فقد كان كتاب التوحيد من تأليف محمد قطب، وما زلت أذكر دهشتي وخوفي من تعليقه على قوله تعالى: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"، وفي آية كريمة أخرى: "فأولئك هم الفاسقون"، وفي ثالثة: "فأولئك هم الظالمون"، إذ كان تعليقه يشي بتكفير حكام الدول الإسلامية جميعها، بما فيها المملكة، وقد زاد معلّم المادة على قول المؤلف ما كرس المعلومة وأكّدها، ولكم أن تتخيلوا شعور وموقف طالب مراهق يرى كل من حوله كفارا!

أما منهج مادة: "الحديث والثقافة الإسلامية"، فكان من تأليف الدكتور مناع القطان، وكان – بالنسبة لي – مبعث الكثير من الأسئلة حول أسباب حضور السياسة في موضوعات دينية، لكنني فهمت فيما بعد كل شيء.

هذان أنموذجان من الذاكرة، بيد أن "الخفي" كان أظهر في الاستغناء عن كتاب المطالعة الرسمي، والاستعاضة عنه بكتاب: "جاهلية القرن العشرين"، الذي كنت أكثر قارئيه جهرا في الفصل، لأن لغتي كانت تروق لأستاذ المادة، ومعه أجزاء من كتاب: "معالم في الطريق". أما "الفسحة" فقد كانت مخصصة للقراءة الجماعية في كتاب: "في ظلال القرآن"، ولم أحضر سوى مرة واحدة، إذ لم يرق لي كون المنابع واحدة، والتوجه واحدا.

مكتبة المدرسة، كانت تتوافر على كتب كثيرة تدور في الدائرة نفسها، وبعضها خارجة عنها، لكنها ليست بعيدة منها، وأذكر أن بعض مصادر تاريخنا السعودي كانت تخيفني وتثير أسئلتي؛ لما تحويه من تكفير، عبر سرد لأحداث تاريخية عمادها التكفير، مما كان يمكن الاستغناء عنه، وفتح صفحات أكثر بياضاً وسلاماً.

إذن؛ لم تكن أسباب التطرف والإرهاب كلها محصورة في "المنهج الخفي" وحده، وإنما اشترك معه شقيقه "المعلن" في بعضها، وليس لنا إلا الإقرار بأخطائنا، وجنايتنا على ديننا العظيم، ومجتمعنا الطيب، وعقول شبابنا المتعطشة إلى المعرفة، ليس لنا إلا الإقرار بالأخطاء، إن نحن أردنا التصحيح، لنكون أقوى بإيماننا، وندخل إلى "العالم الأول" بسلام آمنين.

الآمال في الأمير خالد الفيصل كبيرة، والمهمة عظيمة، لكنه لها، أعانه الله..