المطالبة بعدم التشهير بالفاسدين، إلا بعد صدور حكم قضائي بحقهم التي صدرت من قبل الأخ الفاضل والزميل العزيز الدكتور مفلح ربيعان القحطاني رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان غير منطقية، وحجته في ذلك أن ضرر التشهير بهم يطال أسرهم، وهي حجة يصعب قبولها دون مناقشة.

الدكتور مفلح رجل نقدر حرصه واهتمامه بالجميع كونه أحد المسؤولين عن ملف حقوق الإنسان في المملكة، ونأمل أن يتسع صدره لسماع وجهة نظر أخرى، والاختلاف لا يفسد للود قضية.

هؤلاء الفاسدون لم يفكروا في أسرهم ولا في أولادهم عندما سرقوا المال العام، فما بالنا ننشغل بالتفكير في من لم يفكر في نفسه؟ وما ذنب ضحايا الفساد الذي سوف يستمر ولن يتوقف في ظروف كهذه؟ بل ربما ينتعش ويزداد بمبررات كهذه.

الفاسدون في تعريف "هيئة الفساد": هم أشخاص فاسدون أو مرتشون تمت إدانتهم من قبل هيئة حكومية لديها معايير واضحة وإجراءات متأنية، ونعلم أنها لن توجه التهم على عجل بل إنني متأكد أنها تسير على القاعدة الفقهية (ادرؤوا الحدود بالشبهات)، ولن توجه تهمة الفساد لأحد إلا بوجود أدلة قطعية، والمطالبة بضرورة صدور حكم قضائي ماهي إلا تعجيز وفتح الطريق أمام الفاسدين للاستمرار، وكنت أتمنى على رئيس اللجنة أن ينأى بنفسه وبالجمعية عن أن يضعها في موقف يفهم منه الدفاع عن الفاسدين، خصوصا وأنه الرجل الأول في الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان التي ينبغي عليها أن تكون صوتا للناس الذين يعدون أكثر المتضررين من الفساد في الأجهزة الخدمية والتنفيذية.

العقاب القانوني يجب أن يكون مقصورا على المجرم ولا يطال آخرين، وهذا لا خلاف عليه، أما العقاب الاجتماعي فمتروك للمجتمع، ومن يحب أفراد عائلته فليحافظ على سمعته التي ستنعكس عليهم، وليكن ذلك إحدى وسائل الردع عن ارتكاب الفساد، لأن حماية الفاسد من التشهير تشجعه على ارتكاب المزيد والمزيد. ومن المعروف أن العقوبة الاجتماعية أشد وقعا على الإنسان، والبعض يحسب لها حسابا أكثر من العقوبة القانونية، ويجب أن تبقى حاضرة في ذهن المرتشي وربما تكون أكبر رادع له. أما المطالبة بعدم التشهير بالمتهمين في قضايا فساد ما لم يصدر حكم قضائي فربما ينتج عنها تشجيعهم على المزيد وبديلها هو أن يبقى الجميع متهما بالفساد وتبقى التهم تدور حول الجميع، ونستمر في لغة الألغاز لأننا لا نستطيع أن نقول للفاسد "أنت فاسد" ونحاول أن نراعي ظروفه ومشاعره.

هذه المطالب جعلتني أقلق كثيرا، خصوصا وأنها صدرت من قبل رجل هو المسؤول عن حقوق الإنسان، ولن يكون في مقدورنا اللجوء إلى جمعية حقوقية أخرى تنتزع حقوقنا من الفاسدين والمرتشين. وختاما نذكر بأن اليد الخائنة تقطع في ربع دينار بينما اليد الشريفة تؤدى بخمسمائة دينار، وبهذا نعرف الفرق بين الفاسد والشريف وبين من له حق الاحترام ومن لا يستحقه، وينبغي أن نتأمل الحكمة الربانية في كون اليد تقطع في ربع دينار بينما دية اليد خمسمائة دينار. وهو ما تولى شرحه ابن القيم رحمه الله عندما ذكر أن قطع اليد في ربع دينار وجعل ديتها خمسمائة دينار فيه حكمة عظيمة تتجلى في الاحتياط في الموضعين للأموال والأطراف، فقطعها في ربع دينار لأنها يد خائنة وهو حفظ للأموال، وجعل دية اليد الشريفة خمسمائة دينار حفظاً عليها طالما أنها يد شريفة، ورغم ذلك حاول أحدهم إثارة شبهة حول هذا الأمر وتصويره بالتناقض عندما قال:

يد بخمس مئين عسجدا وُديت

ما بالها قطعت في ربع دينار

فأجابه بعض الفقهاء:

بأنها كانت ثمينةً لما كانت أمينةً، فلما خانت هانت.

وفي ذلك قال الشافعي رحمه الله:

هناك مظلومة غالت بقيمتها

وهاهنا ظَلَمت هانت على الباري

تلك اللأمانة أغلاها وأرخصها

ذل الخيانة فافهم حكمة الباري

(تلك الأمانة أغلاها): المقصود بها اليد الشريفة وديتها خمسمائة دينار.

(وأرخصها ذل الخيانة): يقصد بها اليد السارقة وتقطع في ربع دينار.

خلاصة القول؛ إن الفاسد هو من وضع نفسه في هذا الموقف، ويجب علينا أن لا ننشغل كثيرا في البحث عن أعذار ومبررات للفاسدين.