حسب الإحصاءات والأرقام والتحليلات الاقتصادية، يظهر أن أكبر قطاع بعد البنوك والاتصالات وشركة سابك يحقق أرباحا، هو قطاع بيع السيارات المستوردة من مصادرها. وتعد المملكة الأولى عالميا في استيراد السيارات؛ إذ تشير المصادر إلى أنه في عام 2013، تم استيراد سيارات لأسواق المملكة بنحو 76 مليار ريال لشراء "982" ألف سيارة جديدة من قبل الوكلاء، ولا يدخل في هذا الرقم استيراد الأفراد أو المؤسسات التجارية من غير الوكلاء. وتعد السوق السعودية الأكثر نموا، إذ يصل معدل النمو السنوي أكثر من 10%، وبهذا الرقم تكون المملكة قد تجاوزت أعلى الدول استيرادا للسيارات في عام 2013، وهي إسبانيا، حيث استوردت إسبانيا في عام 2013 نحو "650" ألف سيارة جديدة، ويتوقع الخبراء الاقتصاديون أن المملكة العربية السعودية سوف تتجاوز حاجز المليون سيارة في العام 2015، وذلك نتيجة النمو الاقتصادي وزيادة الإنفاق الحكومي على المشاريع التنموية والتوسع في تمويل السيارات عن طريق التقسيط.

وتعد شريحة الشباب بين 18 و30 عاما الأعلى في معدل شراء السيارات الجديدة، وتعد سوق المملكة الأكبر والأهم للشركات المصدرة للسيارات في العالم. ويُصنف وكلاء السيارات في المملكة بأنهم الأعلى تحقيقا للإيراد والأرباح عن أي وكلاء سيارات في العالم. وتمول البنوك التجارية السعودية نحو 20.5 مليار دولار، أي قرابة 76 مليار ريال لشراء 982 ألف سيارة سنويا.

وبهذا يعد وكلاء السيارات المستوردة أكبر وأهم عميل للبنوك التجارية؛ إذ إن معاملات فتح الاعتماد، أو اتفاقيات تمويل صناديق التقسيط، أو اتفاقيات التمويل المباشر لعملاء وكلاء السيارات تعد الأكبر والأهم في قطاع التمويل للشركات. وهذه الأرقام الخاصة باستيراد السيارات لأسواق المملكة لا تدخل فيها قيمة استيراد قطع غيار السيارات، أو قيمة صيانة السيارات التي تصل إلى أرقام عالية جدا لصالح وكلاء السيارات، ويحتكر استيراد السيارات في المملكة عدد لا يتجاوز عشرين تاجرا يسيطرون على سوق حجمها 75 مليار ريال، إضافة إلى نحو عشرة مليارات ريال قيمة قطع غيار وصيانة وإصلاح للسيارات والمركبات الأخرى، يشترك فيها الوكلاء وتجار قطع الغيار التجارية.

ورغم تخوف البعض من أثر السكك الحديدية بين المدن، والنقل الكهربائي داخل المدن، على سوق السيارات في السنوات القادمة؛ إلا أن بعض المتخصصين يضعفون أهمية هذا التخوف، بحجة أن سلوكيات الفرد والأسرة السعودية لا تتقبل وسائط النقل الحديدية أو الكهربائية سريعا، والأمر يحتاج إلى عشر سنوات لتغير سلوك المجتمع السعودي، والتحول إلى وسائط النقل الأخرى غير السيارات.

وبصرف النظر عن مستقبل وكلاء السيارات في المملكة بعد القطار ووسائط النقل الكهربائية داخل المدن؛ أطرح اليوم بعض الأسئلة المهمة على وكلاء السيارات؛ وأولها: لماذا تختلف أسعار ومواصفات السيارات المستوردة عن السيارات المستوردة نفسها في بقية دول العالم؟ وإذا كان الجواب: بسبب اختلاف الأجواء في بعض الدول الأخرى، فيبقى السؤال: لماذا تختلف الأسعار والمواصفات بين دول الخليج والمملكة التي تتشابه فيها الأجواء؟

والسؤال الثاني: أين وكلاء السيارات من برامج السعودة خلف معارض البيع، أي في الورش والمخازن ومراكز الخدمة بعد البيع، وسؤالي المعتاد أين برامج المسؤولية الاجتماعية أسوة ببرنامج عبداللطيف جميل؟ أين الدور الاجتماعي؟ أين برامج خدمة المجتمع؟ أين الأدوار الإنسانية لخدمة ضحايا السيارات؟ أين برامج الدعم العلمي والبحث العلمي؟ أين برامج مكافحة الأوبئة والأمراض نتيجة عوادم السيارات؟

وأخيرا، سؤالي الأساسي في مقالتي اليوم: ألم يحن الوقت للضغط على شركات تصنيع السيارات لتصنيع جزء من سياراتهم في المملكة؟

إن تجربة تصنيع أكسسوارات المركبات والدهانات والمعاجين والمنظفات والمجموعات الكهربائية وغيرها، تجربة حديثة وناجحة في مجال صناعة السيارات، كما أن بعض الصناعات الخاصة بالنقل الخفيف والحافلات وهياكل السيارات وصناعة نقل الحركة "الجير بوكس" وقطع غيار متنوعة، وفلاتر السيارات والإطارات والبطاريات، جميعها صناعات ناجحة، تدفعنا إلى مطالبة وكلاء السيارات بالضغط على شركاتهم من مصنعي السيارات؛ لتصنيع بعض أنواع السيارات في المملكة، أسوة بشركة أيسوزو العالمية، التي دشنت خط إنتاجها الأول في المملكة مؤخرا، وشركة جكوار الإنجليزية، وهما مشروعان عملاقان أتمنى أن تقتدي به بعض الشركات صاحبة الحصص الكبرى في سوق السيارات في المملكة مثل: تويوتا، وجنرال موتورز، ونيسان، ومرسيدس، وهونداي، وهوندا، وغيرهم.

إن مبادرة هيئة المدن الصناعية بتخصيص مناطق متخصصة لصناعة السيارات؛ تعد دعما ومساندة كبيرة لهذه الصناعة، وأعتقد أن من أفضل المدن الصناعية لهذه الصناعة تلك القريبة من موانئ التصدير ومحطات القطارات الداخلية. شريطة أن يكون عنصر تشغيل العمالة السعودية أساسيا في هذه المشاريع.