كل دولة في العالم، لها شباب موجودون في سورية للقتال مع هذا الفريق المسلح أو ذاك، تعد العدة لاستقبالهم عندما يعودون من هناك. لقد اجتمع وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي للتداول فيما بينهم ومناقشة وضع شبابهم الموجودين في سورية، عندما يعودون إليهم. فهم يخططون لوضع خطوات استباقية لاحتواء شبابهم قبل أن يعودوا إلى بلدانهم وتكون بؤرا وخلايا لتنظيم القاعدة لديهم. لا أعلم ما هي هذه الخطوات الاستباقية التي وضعوها لتفادي العوامل السلبية التي قد يأتي بها شبابهم إليهم من سورية. هذا ليس مهما، ولكن المهم هو ماذا أعددنا نحن من خطوات استباقية لاستقبال شبابنا عندما يعودون إلينا من سورية؟ وهل من الممكن أن يؤسسوا خلايا إرهابية في مجتمعنا، نصطلي بجحيمها، كما اصطلينا بجحيم متفجرات من قدموا من حرب أفغانستان في الثمانينيات من القرن الماضي؟

السؤال كذلك: هو كم عدد شبابنا الموجودين في سورية؟ هناك من يقول إن عددهم يتراوح بين ألفين وخمسمئة وثلاثة آلاف شاب. وهنالك من يرفع العدد إلى أكثر من عشرة آلاف شاب. طبعاً لا يمكن وضع دراسة أو خطة لاحتوائهم وتجنب شرورهم علينا وعلى أنفسهم، إلا في حال عرف الرقم الدقيق، ودرست حالة كل منهم، وتم فرز ما تشابه وما تنافر منها. أي نحن بحاجة ماسة لتكوين لجنة من متخصصين في علم النفس والاجتماع والتربية والثقافة والدين والجريمة وبالطبع الشؤون العسكرية والأمنية. وأرجو أن يكون هذا ما يدور في مكاتب وزارة الداخلية؛ فهي المعني الأول في ذلك، كما فعل وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي.

أولاً؛ يجب أن نعلم يقيناً أن ليس كل شاب سوف يرجع من ساحة القتال في سورية، بالضرورة سوف يؤسس أو يدخل في تأسيس تنظيم أو خلية إرهابية. وأنا أثق بأن غالبيتهم العظمى لن يفعلوا ذلك؛ قياساً على ما حدث للشباب الذي رجع من أفغانستان، فغالبيتهم العظمى عادوا لحياتهم الطبيعية ومارسوها بشكل طبيعي. ولكن تبني ولو خمسة في المئة منهم مهمة بناء أو تأسيس بؤر أو خلايا للقاعدة أو لغيرها، سوف يدخل البلد في صراع دموي خطير؛ خاصة كون جزء لا بأس به من شبابنا هناك، يقاتلون تحت إمرة أمراء حرب وإرهاب، تديرهم أياد قذرة من هنا أو هناك؛ ومنها من يتربص ببلدنا الدوائر، سواء وعى شبابنا ذلك أم لم يعوا، أو وعينا ذلك أم لم نع، فإن الضرر علينا حاصل سواء رغبنا في ذلك أم لم نرغب.

ولذلك يجب أن نضع نصب أعيننا أن خططنا التي يجب أن نرسمها لاحتواء شبابنا القادم من سورية؛ هي لتخفيف الضرر والقدرة على استيعابه ومحاصرته ومن ثم القضاء عليه، قبل أن ينتشر ويستفحل.

لا أحد ينكر أن الربيع العربي الذي ظنه الناس الضربة القاضية للقاعدة، قبل الديكتاتوريات، تحول إلى ربيع زاهر للقاعدة ولم يقض على الديكتاتوريات كما تم التوقع. أي أنه أصبحت لتنظيم القاعدة قواعد ودول في كل بلد عربي دخله الربيع؛ تنتظر الانقضاض على باقي الدول التي لم يجتحها ربيع القاعدة. توجد الآن قواعد رسمية ومدشنة للقاعدة في كل من مصر وليبيا واليمن وتونس وسورية والعراق ولبنان ومالي والصومال. كنا نكتوي بنار القاعدة عندما كانت محصورة في جبال أفغانستان وجبال باكستان القصية؛ والآن هي ترعى في ربيع سهولنا العربية بكل أمن وسلام.

أي أن أي قطر عربي سيضع خططه بمفرده لتجنب مخاطر القاعدة، لن ينجح ولو صرف المليارات على ذلك؛ إن لم يخطط مع جميع الأقطار العربية المحيطة به والقصية عنه كذلك وعلى مستوى الجامعة العربية. إدارة التوحش نجحت وإدارة التقدم فشلت في احتوائها. فالتخريب لا يحتاج إلى عقول وإنما إلى معاول هدم وسكاكين ذبح وتقطيع، أما البناء فهو من يحتاج لعقول ترى وتبصر وتستبصر وتخطط وترشد وتنفذ. كما أن البناء والتنمية هما نتاج ثقافة؛ فكذلك الهدم والتخريب هما نتاج ثقافة مضادة؛ ولا يمكن لأي ثقافة تفرز العنف أن تكون كفيلة بالقضاء عليه ناهيك عن أن تحتويه، كما هي تعتقد.

ولنضع نصب أعيننا ونحن نضع الدراسات ونرسم الخطط لاحتواء أبنائنا القادمين من سورية؛ ألا ننظر إليهم كمجرمين أو مشاريع إجرام؛ فهم في الأول والأخير ضحايا دعاية إعلامية ومنبرية أيديولوجية وعقدية صارمة وعاتية لم نشهد لها مثيلا في تاريخ الصراعات العربية عربية والعربية الإسرائيلية؛ نحن من أججها. معظم الشباب تأثر بها، وتبناها لكون الشباب أصدق من غيرهم في تحويل أفكارهم ومعتقداتهم إلى واقع حياتي معاش؛ أي هم يقولون ويفعلون ما يقولون. هم خرجوا منا، من مجتمعنا أو بالأحرى من بيوتنا، وكانوا يدرسون في مدارسنا ويصلون في مساجدنا ويستمعون إلى إعلامنا؛ فتبنوا قولنا إلى فعل. صحيح أن هنالك من حرضهم أو هنالك من استغلهم وغرر بهم؛ ولكن صحيح كذلك، أننا نحن من جهزهم ودفعهم ليقعوا ضحايا في مصائد من يتربص بنا وبهم، ممن غرر بهم أو استغلهم.

ذكر لي شاب أن شابا صديقا وقريبا له موجود في سورية، هو على تواصل معه وهو هناك؛ ذكر له أنه يتمنى العودة إلى المملكة ولكنه يخشى من السجن. إذاً فأول شيء يجب أن نفعله لصالح احتواء شبابنا المتورط في الحرب والجزر هناك، هو إعلان العفو عن الشاب الذين ذهبوا إلى هناك واشتركوا في القتال؛ ليتسنى لهم الرجوع بأمن وأمان إلينا. مع وضع الترتيبات اللازمة لانتشالهم من هناك لوجستياً عبر منافذ الدول المجاورة لسورية وإحضارهم إلينا سالمين. بعدها يتم التعامل معهم واحداً واحدا من ناحية دراسة ظروفه التي أدت به للذهاب إلى هناك، من جنده؟ وكيف ذهب إلى هناك؟ ومن استقبله هناك؟ وكيف استقبله؟ وكيف تم تدريبه؟ ومع من قاتل؟ وقاتل من؟ وما شابه ذلك من بيانات مهمة. وعند جمع البيانات سوف تتكون لدينا قاعدة معلومات لمكافحة تجنيد القاعدة لأبنائنا، في الحاضر والمستقبل.

وطبعاً تجب مراعاة حالاتهم النفسية، فمنهم من تأثر نفسياً في عمليات القتل والجزر هناك، لكونه غير مدرب على الحرب، كالعسكري، فيجب تأمين العلاج النفسي له. كما يجب إعادة تأهيلهم لينخرطوا في المجتمع من جديد مع إرجاع من فقد وظيفته إلى وظيفته ومن تخلى عن دراسته إلى دراسته، وهكذا من معالجة كافة أحوالهم الاجتماعية. وهذا من باب اعتبارنا لهم أنهم ضحايا وهذه حقيقة؛ وإلا أصبحنا ضحايا لضحايانا وهذه حقيقة كذلك، خبرناها في أفغانستان.