سعد الكناني
إعلامي عراقي
انتشرت وبشكل ملحوظ في السنوات القلية الماضية موضة الوشم في مناطق مختلفة من الجسد بين أوساط الشباب العراقي، حتى باتت هوساً يزداد الإقبال عليه من كلا الجنسين كدليل على الحرية ومواكبة الموضة، لكن المجتمع لم يتقبلها بعد، وعند تعريف تاريخ بغداد في فترة ما بعد الغزو الأميركي للبلاد عام 2003 من خلال علاقاتها بالوشم، فقبل الاحتلال كان الوشم الموجود في العراق شيئا بدائيا يتم صنعه من خلال الرماد والدبوس وغالبا ما يتم في السجن، ولم يكن أكثر من مجرد كتابة الاسم. لكن في ذروة الحرب الطائفية تطور الوشم بالنسبة للرجال ليكون شكلا يجعل من السهل على الأسر التعرف على "جثثهم" في حال تعرضهم للقتل.
وفي هذه الأيام بدأ يتخذ فن الرسم على الجسد نمطا لحياة الشباب البغدادي كنوع من الموضة.
يقول الدكتور محمد الكناني، أستاذ الرسم في كلية الفنون الجميلة: لم يكن التاتو أو ما يشاع عنه الوشم بجديد، فقد عرفه الإنسان منذ القدم من أجل التمايز، نوع من الطقوس التراثية، عادات وتقاليد مرتبطة ببيئة نظام طقسي، شعائر ويوضع الوشم في مناطق محددة من الجسد، وأحيانا هذا الوشم يمثل منطقة أو عشيرة، علامات خاصة بالمركز الاجتماعي الذي ينتمي إليه صاحب الوشم، يختلف الوشم من منطقة إلى أخرى وحسب طبيعة التقاليد العرفية، يعتبر نوعا من الطقوس المقدسة للهنود الحمر وحضارة المايا، والفراعنة. والوشم بمثابة هوية تعريفية لكل شخص في تلك الحضارات، فالنساء المتزوجات لهن رسوم تشير إلى أنهنّ مرتبطات. والمحارب له رموز خاصة من أجل التميز وبعضها تدل على القوة والشجاعة وإخافة الأعداء، وإلى يومنا هذا يعتبر كل رسم أو وشم له قصة أو حادثة.
أما علم النفس فيقول إنّ عشاق الوشم فخورون بأنفسهم كثيراً، فقد اتّخذوا قرارهم بوشم أجسادهم، ويودّون أن يعلنوا بفخر أنّهم يفعلون ما يودون فعله، إنهم أشخاص عاديّون، إلاّ أنّ لديهم إحساساً كبيرا بذواتهم التي لا يرغبون بإخفائها، كما أنهم لا يكترثون بالرأي العامّ، ولديهم الرغبة بأن يعرف الآخرون ما يؤمنون به. إن من يتعمق بالجانب النفسي لأولئك الذين يضعون الوشم، يتراءى له أن هؤلاء يعانون إلى حد ما من مشاكل ذهنية، وسينظر إليهم بالطريقة التي ننظر فيها إلى حيوانات غريبة محبوسة في قفص، فهم يودون التمتع بروح الحرية، وقد وشموا أجسادهم ليتذكروا شخصاً عزيزاً على قلوبهم، أو للإشارة إلى دين ما أو قبيلة، أو ببساطة يظهرون معتقداتهم السامية، وإذا ما تعمقنا قليلاً في المعاني التي تحملها تصاميم الوشم، سنفهم لماذا يرسمونها على أجسادهم ويبرزونها أيضاً.
علماء النفس الذين يحاولون وضع أنفسهم في موقع الرجال والنساء الموشومين، يخفقون في عمل ذلك أغلب الأحيان، لأنهم يعانون من عقبة ذهنية تشكلت عبر قرون، تلك التي ربطت الوشم بالمجرمين والقتلة، ولكن على الرغم من أن المجرمين اعتادوا عليه حقّاً، ولا يزالون يضعون الوشم إلا أن هذا لا يمنع من أن يكون واضعو الوشم من بين الناس الأكثر ودّاً ولطفاً في العالم. تمّ النظر إلى الوشم بشكل دائم من وجهة نظر سيكولوجية، فأولئك الذين يجهلون أسبابه، سينظرون إليه على أنه نوع من الاضطراب الذهني، علماً أنّ الذين يضعون الوشم لديهم في الحقيقة أسبابهم القوية لوضعه. أيّاً كانت الطريقة التي تنظر بها، ستعرف على الأقل شخصاً واحداً يحمل وشماً، وستدرك أنها ليست بطريقة تثبت انحطاط الثقافة الحديثة أو أن الناس قد فقدوا قوة الحكم على الأشياء وأصبحوا أتباعاً عمياناً لقائدٍ ما. في الواقع إنّ الوشم قد انتشر بشكل هائل على الرغم من العار الاجتماعي الذي كان مرفقاً به دائماً في الماضي، واكتسب على مر القرون شعبية كبيرة بدلاً من أن يصبح عادة منقرضة، وهذا يثبت بأن هذه العادة وقفت على بوتقة الزمن وبقيت على الدوام. ربما لو تعمقنا قليلاً في دلالة تصاميم الوشم، سنكون قادرين على فهم الوشم والمتحمسين له أكثر، فتصميم الوشم دائماً يحمل معنى ما ويخبرك شيئاً عن الشخص وخلفيّته. ربما بعض الأحيان يبدو تصميم الوشم غريبا ومروعاً، إلا أنه من الممكن أن يكون مما ورثه الشخص من الماضي، رغم أنه فتح صفحة جديدة الآن. بدلاً من رفض مبدأ الوشم أو إضمار مشاعر سلبية تجاهه، علينا أن ننظر ما وراءه ونعرف أن هناك دائماً قصة وراء كل وشم. ونرى هناك أفعى أو عقربا أو ربما صقورا، تجدها على أذرع الشباب المراهق، ومنهم من يكتب أسماء وصورا ليست من أبجديات الثقافة. و"التوتو أو "الدك" هو نوع قديم كان يستخدم في العلاجات الطبية الشعبية لدى أبناء الريف، ولكنه الآن انتشر بشكل أوسع ليحل ضيفاً غير مرغوب فيه لدى بعض المناطق في العراق.
إن ظاهرة الوشم هي من الظواهر السلبية المنسلخة من الثقافات الغربية والتي أصبحت من الآفات الفادحة التي تهدد ثقافتنا الأصيلة، وليس هنالك نص في قانون العقوبات يجرم هذا الفعل وإن فعل المرء بذلك يعتبر من المخالفات، كون هذه الأفعال تسبب ضررا بصورة مباشرة للمجتمع فهي مخالفة للعادات والقيم والأعراف، التي تقوم ذلك المجتمع وأيضا مخالفة للدين والشرع السائد في البلد.
فمن وجهة نظري، يجب أن يكون هنالك قانون يعتبر الوشم من المخالفات وإنزال العقوبة لمن يقوم بمثل هذه الأمور فهي حالة غير جيدة في المجتمع، فهناك الكثير من الدول لديها قانون يحرم الوشم، فقد تقدم مارتن مادون عام 1969 بمشروع قانون بتحريم الوشم رسميا في إنجلترا، وأصدرت الحكومة اليابانية عام 1870 مرسوما يحرم الوشم أيضا.