هذا السؤال الشائك يحاصر كل ذي لب، يريد أن يرى أي أثر للنعمة على أرض الواقع. ولا أكثر نعمة من ميزانية تضرب سقف التريليون ريال، ما بين إيرادات وفائض واحتياطي. وقد لا يحتاج المرء أن يكون متخصصا في علم الاقتصاد؛ ليكتشف أن الأموال المخصصة لوزارات الدولة تعيش حالة هدر كبيرة، تحت عنوان "ما من دبرة"، لمجرد التأمل في إنجازات كل وزارة سنويا مقارنة بالأرقام.
إن بدأت بالنقل، كوزارة خدمية، ستجد نفسك في قلب الدهشة، وأنت ترى حالة الطرق السريعة التي لم تتغير منذ سنوات، هذا إن لم تزدد سوءا بعد سوء، وفي داخل المدن ستكشف لك حافلات خط البلدة عن فكر مخبوء، يراهن على المراوحة في المكان والزمان. يمكن القول إن هذه الوزارة لا تعمل، إلا إن كانت هناك مشروعات كبرى لا نراها بالعين المجردة.
وإن ذهبت للصحة والتربية، وهما الوزارتان اللتان تستحوذان على نصيب الأسد من ميزانية الدولة، ستخرج بالاكتشاف العظيم: كل هذه المبالغ الضخمة تصرف لرواتب الموظفين والمصروفات التشغيلية وبعض مشاريع التوسع هنا وهناك، في وقت من الممكن أن تغطي هذه الأموال كلفة إنشاء وزارات جديدة بمبانيها وموظفيها ومصروفاتها.
الوزارات والقطاعات الأخرى ليست أحسن حالا، وربما يشفع لها أنها لا تتقاطع أعمالها مع حياة الناس بشكل يومي، باستثناء وزارة الشؤون البلدية، وفي الحقيقة لم نعد نعرف ماذا فعلت البلديات في السنوات الأخيرة، التي ارتفع فيها الدخل القومي، وزادت أرقام الميزانيات المخصصة لها؛ لخدمة المواطن الذي أصبح يغرق في شبر ماء مطر.
والنتيجة طبعا أن من يتابع أرقام الميزانية يريد أن يصل إلى إجابة سريعة حول السؤال: أين تذهب "فلوس الميزانية"؟