علمت بخبر تعيين صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل وزيرا لوزارة التربية والتعليم من صورة في الـ"واتس آب"، ربما أعدها صاحبها والمذيع مازال يقرأ الخبر. الصورة تظهر الأمير في موقف حاسم من أمر ما استغله المعد بكتابة تحذير للطلاب من الغياب. لاشك أن الصورة طريفة لكنها في حقيقتها تشير إلى رأي المجتمع في الأمير خالد كقيادي ناجح تمثل تجربته للباحثين الإداريين في فن القيادة مرجعاً مهماً ومثالاً جديراً بالدراسة.
الأمير يتميز بأنه صاحب رؤية، تحركه أهدافه على المدى البعيد، كما أنه يتميز بتعامله المتوازن مع العاطفة والواقع كما شاهدنا في جدة التي رأيناه فيها قائداً يدير منطقته من الميدان؛ فامتلأ "يوتيوب" بمشاهد زيارته للمشاريع التي ستلاحظ فيها عبارة "متى ينجز المشروع؟"، وهذه كافية لتشير إلى أنه قائد يهتم بالنتائج؛ فلا تغره الهالة التي تحيط بالقرارات، لكنه يظل يتابعها حتى تنجز. وكما رأينا جميعاً كثيرين يتفننون بوضع عبارات على صور الأمير؛ ربما لأن الأمير أحد أهم الشخصيات التي تجيد لغة الجسد في بلادنا؛ لذا حركات يديه ونظرته تستوقف العديدين. ومن المعروف أن إجادة لغة الجسد هي من ميزات القائد الفاعل والناجح، كما أنه مراقب جيد يقول في قراراته لمساعديه التنفيذيين: "أنا هنا موجود سأتابعكم"، أضف إلى ذلك هيبته كقائد، وتميزه بحضور يجعل من يعمل معه يشاطره الإيمان ويشاركه صناعة هدفه، وربما لو كنت مثلي تربيت في جدة وتعرفها جيداً ثم غبت عنها لتعود إليها وتتفاجأ بما رأيت فلن تجد سوى كلمة "إنه ببساطة خالد الفيصل"!
بشكل عام، تاريخ الأمير في تولي المناصب القيادية طويل، لكن وزارة التربية والتعليم تختلف ولاشك، فمن واقع دراستي كباحثة في إدارة التميز التعليمي أستطيع القول إن وزارة التربية والتعليم رغم الهجوم المجتمعي والإعلامي الحالي عليها وصلت إلى مرحلة جيدة نسبياً بعد جهود ضخمة من سمو الأمير فيصل وفريقه، ليس أقلها تقدمنا في المراكز العالمية وفوزنا في مسابقات الأولمبياد والتوسع في بناء المدارس وتدريب المعلمين وابتعاثهم، و"موهبة" وإنجازاتها، لكن يبقى ملف التعليم بحاجة للمراجعة وبحاجة للإصلاح أكثر منه للتطوير؛ لذا في رأيي أن الأمير خالد الآن يجب أن ننظر إليه كمصلح لقضايا مهمة لم يستطع الفريق السابق رغم جهوده إصلاحها، وانشغل بالتطوير في نواحٍ أخرى وأهمها - من وجهة نظري- تتركز في الهدر المالي الكبير الذي يحدث لوزارة 80% من ميزانيتها رواتب، وتبقى العشرون في المئة التي تعرضت - للأسف- لهدر كبير لأسباب عدة؛ منها مثلاً رحلات لا داعي لها للقيادات التعليمية العليا للمدارس في الخارج لرؤية تجربتهم. ولست هنا أعترض فقط على مصاريف الرحلات التي تكلف مئات الآلاف للشخص الواحد في وقت تعاني فيه المدارس من شح التجهيزات، لكن اعتراضي أيضاً على من يقوم بها، ففي كل بلاد العالم يرسلون مديري المدارس ومعلميها لنقل تجربة الميدان في بلد متقدم؛ لأنهم هم المعنيون بها، وهم من سيطبقها، وليس قائداً إدارياً يكفيه أن نحضر له من يدربه على عمل إداري، إضافة إلى أننا لم نجد فائدة من رحلاتهم التي جعلت البعض يسميها "وزارة الرحلات والانتدابات"؛ ممّا يؤلم معلماً مجتهداً يحزن عندما يعلم أن تذكرة مسؤول لأوروبا كان من الممكن أن تشتري عشر سبورات ذكية لعشرة فصول يدرس بها مستقبل المملكة العربية السعودية وهم التلاميذ.
كما شاركت في الهدر بعض القرارات التي ربما أخذت بسرعة وفعلت بطريقة غير جدية؛ مثل شعار الوزارة المكلف الذي كلف الملايين؛ ممّا يدعونا للتساؤل: هل من اختار الشعار افتقد القدرة على رؤية التشابه بين شعار الوزارة وبعض الشركات التجارية في المملكة؟!
وهذا يقودنا للحديث عن إهدار آخر في الكفاءات التي تُحارب بقوة بسبب تفشي السلطة غير الرسمية وشبكة علاقات واسعة بلغتنا العامية "أمسك لي وأقطع لك" جعلت كثيراً من المعلمين يختار التقاعد المبكر أو التسرب للجامعات، فبعد خسارة الملايين على الابتعاث والتدريب تحرص إدارات التعليم على إبعادهم عن أي موقع قيادي يفترض أن يطبقوا فيه تجربتهم العلمية في الدراسات العليا، مع الزج بأصحاب الشهادات الوهمية - وهم بالمئات - في مناصب قيادية بسبب قوة ومتانة السلطة غير الرسمية وتغلغلها في الإدارات التعليمية!
هناك ولاشك كثير من الملفات التي أثق أن الأمير خالد سيقوم بفتحها، لكن يبقى الهدر أهمها، وخاصة أن الدولة تنفق بكرم لا نظير له على وزارة التربية والتعليم.