كمجتمع نستطيع أن نقول اليوم: إننا قرأنا آلاف الكتب وتابعنا آلاف الحوارات على الرائي والمذياع، بل الكثير منا حضر عددا لا بأس به من المؤتمرات والندوات التي ناقشت موضوعا هاما وحيويا.. المدرسة. ولقد قام الكثير من الكتاب والإعلاميين في الصحف والمختصين في المحافل الأكاديمية بنقل التقصير الذي تعاني منه المدارس عامةً.. في التمويل، والارتفاع في نسب السلوكيات المرفوضة من قبل التلاميذ والهيئة التعليمية والإدارية، وغير ذلك الكثير من القضايا التي خرجت إلى السطح خاصة في الأونة الأخيرة، ولكن الأهم من ذلك كله أن ما أنشئت من أجله المدارس؛ ألا وهو التعليم، أظهرت غالبية الدراسات أن ضعف الناتج يدلنا على ضعف التعلم! تريد أن تتعرف على مستقبل بلدنا سيكون بأيدي من؟ ما عليك سوى أن تفتح حوارا مع أي تلميذ أو طالب في الشارع، لا أقول في المدرسة كي لا ينتقوا لك النخبة، بل لنجعل الاختيار عشوائيا، وحينها سنرى المستوى على حقيقته، لأن ما نسعى لبنائه ليس فقط النخبة من الموهوبين!
من خلال الإدارات المتتابعة للتعليم العام، نجد أن رسالتنا للجميع كانت وما زالت: المدارس غير كافية. نعمل على بناء المزيد، وكل عام تزيد أعداد التلاميذ وتزيد الحاجة إلى المزيد.. أعداد المعلمين والمعلمات لا تقابل الحاجة لأعداد التلاميذ.. نسعى لتوظيف المزيد، وطبعا ازدياد يقابله ازدياد.. من المفترض أن ميزانية التعليم تأخذ حيزا كبيرا من ميزانية الدولة ولكن.. نجد نقصا في التجهيزات وأهمها المباني والبنية التحتية لكثير من المدارس. وأما المناهج فتلك قصة أخرى، المهم هنا أننا لا نقدم الدعم الكافي، ثم نقول لهم: علموا.. تعلموا، ونندهش حين لا تعمل هذه التركيبة! بل إننا رغم اندهاشنا نصر على الاستمرار عليها، وكاننا نتوقع أن الناتج سيخرج مختلفا!
إن العالم تغير، وعادة من يعيش وسط التغير صعب عليه أن يراه، ولكنه حدث، ومتطلبات سوق العمل تغيرت، لقد حددها المختصون الذين استشرفوا تلك التغيرات منذ بدايتها... ولكن نحن مازلنا نصر على مدارس تبنى على شكل يؤمن تخريج نوعية معينة من التلاميذ والطلبة، ليعملوا خلف مكاتب يتلقون الأوامر ويلتزمون بالقوانين والتعليمات، تماما كمخرجات العصر الذي كان قبله – ليس عندنا بل في الغرب.. عصر الصناعة وتخريج العامل المطيع المثقف بحدود تجعله مطيعا في العمل ومستهلكا مخلصا لمنتجات الشركات المحلية!
ما نريده قادة، ما نريده مفكرون، ما نريده شباب متواصل مع إنسانيته يعرف أنه جزء من العالم وليس قلب العالم بينما الجميع يدور حوله. نريد شبابا يتفاعل بإيجابية من خلال البحث والتأكد وبناء ألف سؤال وسؤال ليحاصر كل قضية ولا يكون هو المحاصر، هنالك طرق عديدة توصلنا للهدف – متى ما عرفنا ماذا نريد – ولكن ما يهمنا هو الناتج وعليه نترك الفرصة للمدرسة أن تتحد مع مجتمعها المحلي وتبدع في الارتقاء به من خلال بناء أبنائه، لأن المجتمعات حتى المحلية تختلف، ونحن نصر على "Copy Paste" ننسخ من هناك ونلصق هنا! نريد ما يحرك الطلبة.. يجذبهم للتعلم، ونريد ما يجعل معلميهم يبدعون لأنهم سعداء بالتفاعل مع تلاميذ متشوقين للعلم والمعرفة.. نريد معلمين ومعلمات يحاسبون على الناتج ويدعمون بالمتابعة والتدريب حيث الحاجة، ولكن تترك لهم الحرية في اختيار الطرق التي يجدونها تجذب طلابهم وتدفعهم للبحث عن المزيد، نريد شغفا ينتقل من معلم إلى تلميذ.
نريد تعليم أبنائنا كيف يعلمون أنفسهم، وكيف يرتقون بأنفسهم، وكيف يقيمون مهاراتهم ومعلوماتهم، لا نريدهم يقضون جل وقتهم "يعافرون" معادلات رياضية جلهم لن يستخدمها مع تخرجه من المدرسة لا في حياته الاجتماعية أو العملية، لا نريدهم يدرسون الأدب والشعر كمادة جافة دسمة، ثم بعد التخرج لا يفتح أحدهم رواية أو ديوانا، لا نريد أن يتعاملوا مع التربية الدينية كمادة حفظ وتلقين فيتخرجوا وقد أسست في دواخلهم هاوية عميقة بين المعرفة والتطبيق، أضف لأن الكثير قد يصبح عرضة لمزيد من التلقي والتلقين على أيدي من لا يخاف الله فيهم ولا فينا، نريد شبابا حين يدخلون سوق العمل لن يستبدلوا بآخرين لأنهم أرخص، لأن ما لدى شبابنا هو الأفضل وعلى المدى البعيد اقتصاديا أضمن وبجودة أعلى تدر أرباحا أعلى.
الفكرة هنا هي ليست العمل على ما هو موجود والتحسين حسب التوقعات والأهداف السابقة، الفكرة هي تغيير الأهداف أصلا، لنركز على المنتج، مواصفاته كشخصيات تستطيع أن تتكيف وتواجه تحديات هذا العصر وهذه الأيام، وبعدها يمكننا العمل على تغيير طرق بناء وتأهيل وتجهيز وإدارة تلك المدارس.
وعليه، كأولياء أمور وكمواطنين، يجب أن نركز على سؤال أولي ولا نمل من تكراره على كل مسؤول من المدرسة حتى الوزارة: "هل مدارسنا الآن، بالمناهج التي تقدمها، والتجهيزات والبنية التحتية، ومستوى أداء الإدارة، ستنتج لنا جيلاً قويا"؟